حوار على نار هادئة مع الشيف راكان العريفي

حوار على نار هادئة مع الشيف راكان العريفي

إن أردت أن تستكشف عالم المطاعم، فإن راكان العريفي هو الشيف الذي يملك المعرفة والرؤية لحديث ممتع عن عالم الطهو
27 سبتمبر 23
Chef Rakan Aloraifi
Share

في رحلة البحث المستمر عن أفضل الأطباق في المملكة، التقينا الشيف راكان العريفي، الإنسان الذي يتمتع بالحضور المميز والإطلالة التلفزيونية اللافتة ويمتلك خامة الصوت العميقة ويشيع الطاقة الإيجابية الرائعة.

تبادلنا معه أطراف الحديث عن مواصفات الطبق الشهي انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الطعام. وقد حدد هذه المواصفات بثلاثة معايير رئيسية هي: الطعم، طريقة التقديم، وتقنيات الطهو. ولا يبدي الشيف راكان اقتناعاً بمقولة الأمهات الدارجة: "أنا عندي نفس بالطبخ"، ويقول: "ترتبط قدرة الأم أو الجدة على تقديم أطباق شهية بقدرتها على تطبيق تقنيات الطهو الصحيحة، من دون أن تدري أنها قامت باتباع تلك التقنيات أصلاً".

السكاكين اليابانية

تعود بدايات تعلم الشيف راكان لتقنيات الطبخ إلى أكثر من 8 سنوات، عندما احترف تقنية استخدام السكاكين المعتمدة في المطبخ الياباني، أحد أكثر المطابخ في العالم صعوبة. وقد دعته إلى بدء تعلم هذه التقنية المتقدمة نصائح كبار الطهاة التي تقضي بتجنب تعلم الوصفات في البداية وبتعلم أساسيات الطبخ وتقنياته أولاً، ويعني هذا استخدام السكاكين والتعامل مع النار  وفهم درجات الحرارة وتأثيرها على المكونات الغذائية وعلى عملية طهو الطعام. وأدرك أن تعلم هذه التقنيات سيمكنه من تطبيق أي وصفة. وفي هذا السياق يقول الشيف: "أضافت تقنية استخدام السكاكين اليابانية إلى خبرتي الكثير، فقد علمتني مثلاً كيفية الحفاظ على سكيني، شحذه، وكيفية تقطيع السمك بطريقة تمنع تحوله إلى سمك فاسد خلال مدة زمنية قصيرة". 

فنون الطهو

يدمج الشيف راكان التقنيات المبتكرة في الطبخ والأطباق السعودية، فالمطبخ المحلي يعتمد على تقديم كميات كبيرة من الطعام، في حين تقدم المطاعم الراقية كميات مناسبة من الطعام الذي يتم تحضيره قبل 15 دقيقة فقط من تقديمه. وقد استطاع الشيف السعودي استخدام التقنيات الفرنسية واليابانية التي أتقنها مسبقاً في تقديم الطعام المحلي، متبعاً معايير المطاعم الراقية مع حرصه على تقديم نكهة مطابقة تماماً لنكهات الأطباق السعودية الأصيلة.

لا يتحدث الشيف راكان عن مكون سري خاص في أطباقه، ويشير إلى أنه استطاع، من خلال خبرته الطويلة ومشاركته في العديد من المسابقات، أن يكتشف أهمية "ضبط كميات ملح الطعام" أثناء عملية التحضير والطهو. ففي كل مرحلة من مراحل الطهو لا بد، برأيه، من أن يضاف الملح وأن يتم تذوق نسبته في الطبق، فعدم إضافة كمية الملح الصحيحة قد يؤثر على الطعم إلى حد كبير.

 

طريقة التقديم

أما عن طريقة تقديم الأطباق ودورها في إثارة شهية الزبائن فيقول الشيف راكان: "حضرت العديد من الدورات المتقدمة في طريقة تقديم الأطباق، لكن لاحظت أن الطهاة يعلمونك الأساسيات فقط، أما ما تبقى فيعود إلى إبداعك الخاص وإلى نظرتك الفنية. يشبه الأمر إلى حد كبير عمل "الغرافيك ديزاينر"، فطريقة تقديم الأطباق ذوق شخصي وعملية تصميم وإبداع موقعة من الشيف". وعن طريقة تقديم الأطباق يقول: "بالطبع ثمّة أساسيات متفق عليها ولا بد من تطبيقها، فعلى سبيل المثال عند تقديم طبق من الأرز واللحم في صحن مسطح، لا بد من أن يتم تكوين ارتفاعات مختلفة داخل الصحن، كأن يوضع الأرز على شكل مربع أو دائرة مرتفعة تزيّن باللحم بطريقة فنية".

لحظات صعبة

تنطوي مهنة الشيف على العديد من المواقف الصعبة والتحديات، وقد واجه الشيف راكان خلال مسيرته المهنية كثيراً من هذه المواقف، وإذ يروي لنا إحداها يقول: "أتذكر مشاركتي في أحد المهرجانات المهمة التي تقام في الصحراء والتي تحضرها كبار الشخصيات السعودية وعدد كبير من الزوار. نُصبت حينها خيمتان لتحضير الطعام، إحداها للطعام البارد والأخرى للطعام الحار، وكنت أعمل في خيمة الطعام البارد، أحضّر طبق السالمون المدخن، وكانت الخيمة مبرّدة لكن الجو فيها أصبح حاراً بسبب طبيعة المكان الصحراوية، فأتى مسؤول سلامة الأغذية في الموقع وطلب التوقف عن تحضير أطباق السالمون خوفاً من فسادها في هذه الأجواء، وكان لا بد لي من تقديم الطبق، فأحضرت شاحنة تبريد مخصصة لنقل الأغذية ودخلت إليها أنا وأفراد الفريق وأدخلنا المعدات وكل الأطباق وأغلقنا الباب، علماً أن درجة الحرارة وصلت داخل الشاحنة إلى درجة مئوية واحدة، فيما كانت درجة حرارة الخارج تزيد عن 40 مئوية. وهكذا أمضينا في مكاننا المبرّد نحو 3 ساعات، وعند انتهائنا من تحضير أطباق السالمون، خرجنا منه إلى حيث كانت درجة حرارة مرتفعة جداً. ونتيجة انتقالي من درجة حرارة منخفضة جداً إلى أخرى مرتفعة جداً، شعرت للحظات بأنني سأفقد الوعي وكان ذاك أحد المواقف التي لن أنساها يوماً".

وبعيداً عن المواقف العصيبة، يروي الشيف راكان قصة طريفة، هي قصة طبق سعودي اسمه "كبيبة حايل"، وكان من أول الأطباق التي أدرجها في قائمة أحد المطاعم السعودية الفاخرة، ويقول: "أنا من حائل وأفخر بتحدري من هذه المنطقة، كنت أعمل في أحد المطاعم الراقية وأطلقت على أحد الأطباق اسم "كبيبة حايل"، علماً أنه يُعرف باسم "كبيبة" فقط، بل إنني ذهبت إلى أبعد من ذلك، فذكرت في لائحة مكونات الطبق رمان حائل، ورق عنب حائل، أي أنني أضفت كلمة حائل إلى كل المكونات. وبدأ الناس يسألونني عن هذا الطبق مبدين استغرابهم ارتباط كل مكوناته بمدينة حائل. ولحسن الحظ، حقق هذا الطبق نجاحاً كبيراً وكان من الأطباق الأكثر جذباً للذواقة، علماً أنني ما زالت أقدمه حتى اليوم وأنه يشغل مكانةً خاصةً لدي، فقد ارتبط اسمي به". 

المطبخ السعودي إلى العالمية

غزت اليابان العالم من خلال تصدير ثقافة السوشي وصدّرت أميركا ثقافة البرغر إلى كل البلدان، فما الذي يحتاج إليه المطبخ السعودي لتصدير ثقافة الطعام السعودية إلى الخارج؟ على هذا السؤال يجيب الشيف راكان بالقول: "يواجه المطبخ السعودي تحدياً على مستوى طرق التقديم والكميات، وهو ما نعمل على إيجاد الحلول له، فالشعب السعودي يُشتهر بالكرم وبإعداد الولائم وبتقديم كميات كبيرة من الطعام، ما لا يتفق وأسلوب المطاعم الفاخرة أو الكميات التي اعتاد الأجانب تناولها في بلادهم. لذ نسعى كطهاة سعوديين إلى تقديم الطعام السعودي وفق معايير المطاعم الراقية. فقد أصبحنا على سبيل المثال نقدم ثلاثة أطباق تتضمن طبقاً رئيسياً وسلطةً وحلوى مع رفع طريقة التقديم إلى أعلى المستويات.

الاستدامة الغذائية

يملك الشيف راكان نظرة مختلفة في ما يتعلق بتطبيق مفهوم الاستدامة الغذائية في عمله، ويرى أن الهدر لا يقتصر على الولائم الكبرى وأن هذا يشكل رأس جبل الجليد فقط، لافتاً إلى حدوث هدر خفي لا ينتبه إليه كثيرون ويبدأ من المزارع. لذا فهو يقوم، عند إعداده أي قائمة طعام لأي مناسبة، باختيار الأطباق الموسمية، فيساعد بذلك المزارع على بيع محصوله الزراعي ويحصل على منتجات طازجة قطفت في يوم الطهو. من ناحية أخرى يستهلك الشيف راكان كل المكونات، بأجزائها كافة، لتحضير أطباقه. ويذكر مثالاً على ذلك استخدامه عظام الدجاج لإعداد الحساء أو الصلصة. أما حين يتعلق الأمر بالولائم، فيحاول إقناع عملائه بتقديم قائمة طعام مختارة مسبقاً (Set Menu) بدلاً من البوفيه المفتوح، لأن ذلك يساعد على الحد من هدر كميات كبيرة من الطعام. أما إذا اختار العميل البوفيه المفتوح فيدير الشيف عملية تقديم الأنواع حسب الحاجة منعاً لأي هدر محتمل.  

تصوير محمد البعجان.

@raloraifi  
@kitcatering.sa