أفضل المطاعم حول البحر المتوسط

أفضل المطاعم حول البحر المتوسط

نبحر عبر البحر الأبيض المتوسط ونقوم برحلة لا مثيل لها لاستكشاف أفضل المطاعم على ساحله الشمالي
16 يوليو 23
A Culinary Tour of the Mediterranean Image source: Le Louis XV Monaco
Share

من السهل أن نفهم سبب الارتباط الوثيق بين عدد من أمهر الطهاة في العالم والبحر الأبيض المتوسط. فهو يوفر الكثير من الخيرات، ويتسم بروعة مياهه الزرقاء التي تبدو مذهلة عند مشاهدتها من أي ميناء أو مرفأ. لكن أكثر ما يميّز الخط الساحلي الطويل والمتعرج هو أنه يخبئ خلفه الكثير من الأماكن، الثقافات المحلية، المؤثرات العالمية، التقاليد والإبداعات الحديثة. إذاً لا بدّ من أن تجد في مكان ما، على مقربة من ساحل هذا البحر الرائع، مطعماً قد يرضي ذوقك ويحسّن مزاجك. وإليك بعض الخيارات. 

Mirazur، فرنسا

الأكثر أناقة

لن تجد على هذه الأرض الكثير من الأماكن الهادئة والرائعة التي تشبه Mirazur، المكان المهيب الذي يقدم الطعام الفاخر في بلدة Menton الصغيرة في Côte d’Azur على مقربة من الحدود الإيطالية. وفور وصولك إلى المطعم، ستشعر بأنّ هذه القطعة الصغيرة الواقعة على ساحل البحر المتوسط هي ملك لك. فهو يشكل جزءاً من فيلا قديمة بناها أمير بلجيكي، ويتيح لك موقعه المميز الجلوس في مواجهة البحر ما أن تطأ قدماك قاعة الطعام فيه المكوّنة من ألواح زجاجية ضخمة تسمح بدخول ضوء الشمس وهواء البحر. وهكذا يمكنك، في أثناء جلوسك إلى المائدة، مشاهدة اليخوت والقوارب وهي تتجول على صفحة الماء. ولا عجب في هذا، فاسم المطعم يعني "النظر إلى اللون الأزرق".

لكنّ تأمل جمال البحر قد ينسيك لوهلة تناول طعامك، وهو خطأ كبير قد ترتكبه. فأطباق هذا المطعم تحمل توقيع الشيف الشهير ماورو كولاغريكو الذي تولى القيادة منذ الافتتاح في العام 2006، ومنذ ذلك الحين حرص على ابتكار أسلوب طهو خاص به. وأتى هذا بعدما قرر التوقف عن العمل في مجال المحاسبة في بيونس آيرس، والتفرغ لإتقان فنون المطبخ الراقي. وبالفعل تمكن من ذلك تحت إشراف خبراء في مجال الطهو مثل برنار لوازو، آلان باسار والأسطوري آلان دوكاس.

بالفعل تتلمذ ماورو على أيدي هؤلاء الكبار، لكنه لم يتأثر، في مجال عمله الاحترافي بهذه الوصاية فقط، بل أيضاً بنظرته إلى العالم والمحيط التي ظهرت من خلال أطباقه. وهو ما يمكن ملاحظته بعد الجلوس إلى مائدته في Mirazur حيث تبدو تلك الأطباق أنيقة، ومفرحة ومنسجمة إلى حد كبير مع الطبيعة المحيطة، مع لوحة الأشجار الخضراء التي تحيط بالمطعم وأشجار الليمون التي تنمو على بعد مسافة قصيرة من الطاولة، والطحالب التي تغطي صخور الشاطئ البحري. وهذا ما دعا ربما إلى اعتباره "أفضل مطعم في العالم" في العام 2019.

Torre del Saracino، إيطاليا

الأكثر هدوءاً

إذا كنت تبحث عن العزلة والهدوء، توجه إلى Amalfi، وتحديداً إلى Vico Equense، البلدة الصغيرة التي تتميز ببرج مراقبة يعود تاريخ بنائه إلى 1300 عام، وهكذا يمكنك الوصول إلىTorre del Saracino. وهناك قد لا تلتقي الكثير من الزائرين، لذا يمكنك الاستمتاع بالسكينة أمام مشهد الساحل الآسر وجبل فيزوف الرائع الممتد نحو السماء. وفي هذه المنطقة التي تذكّر بالقرون الوسطى، لا يسعك إلا أن تشعر بالاتصال بماضيها العريق وبأولئك الذين وقفوا على مر آلاف السنين أمام هذا المشهد مبدين إعجابهم الشديد.

وإذا أردنا التحدث عن الطعام فيTorre del Saracino، فعلينا الإشارة إلى أنه قديم الطراز. ولا بدّ لنا من التذكير بأن الشيف غينارو إيسبوزيتو كان في الـ22 من عمره فقط حين قام بافتتاحه. وقد دفعته إلى ذلك قوة طموحه وروعة المنتجات التي يمكنه الحصول عليها. لذا، لم يخشَ هذا الشاب التجربة واستخدم لتحضير أطباقه ثمار البحر "الأقل أهمية": سمك البوري الأحمر والمكريل (وهي أسماك يتم طهوها عادة في المنزل لا في المطاعم الفخمة)، وأضاف إليها نكهات من المنطقة والعالم.

لذا لا عجب في أن تُشعرك أطباقه بنكهات قوية وحادة، مثل نكهة التمر الهندي أو فلفل كالابريا، التي لا تحتوي عليها غالباً أطباق أي مطعم أنيق. بالفعل يبدو أن الشيف لا يحب اتباع القواعد، رغم أنه رائد في مجال عمله.

فبعد أن انطلق من برجه الساحلي، بات إسبوزيتو يتمتع بشهرة عالمية، فتمكن من الحصول على نجمتي ميشلان بفضل نظرته المختلفة إلى عالم الطهو. لذا قد يحصل على الثالثة في أي وقت وما يبدو غير مألوف في قائمة الطعام لدى مطعم Torre del Saracino قد ينتهي به الأمر بأن يصبح جزءاً من قوائم طعام كثيرة بعد سنوات عدة مقبلة.

Ca Joan Altea، إسبانيا

موطن اللحوم

تقضي حِميَة البحر الأبيض المتوسط عادة بتناول الأسماك، الفواكه والخضار. لكن بعض الأشخاص يعشقون الأطباق التي تحتوي على اللحوم والمعدّة بعناية تامة. وعلى هؤلاء التوجه إلى بلدة Altea التي تقع على بُعد نصف ساعة بالسيارة عن مدينة Dénia العصرية، حيث يمكن الاستمتاع بتناول الطعام في أحد أفضل مطاعم الستيك التي يمكن أن تزورها يوماً: إنه Brasería Ca Joan. فمكان الضيافة هذا هو أحد أبرز مطاعم اللحوم في إسبانيا. وهنا يتم تحضير اللحم بطريقة بسيطة جداً أو تحويله إلى شرحات رقيقة قد تذوب في الفم.   

لكن بطل هذا المشهد هو، بالطبع، الستيك. ففي هذا المكان لن تجد قطعة من الواغيو أو من الكوبي باهظ الثمن، ولا شرائح من لحم الخاصرة أو قطعاً من البطاطا المخبوزة بقشورها. ففي Ca Joan يقدم الشيف فقط لحوم الباسك (من الأبقار الصغيرة والكبيرة والثيران). وبعد وصولها إلى المطعم، لا يقوم بطهوها بشكل فوري، بل يتم وضعها في الثلاجات الموجودة خلف جدران غرفة الطعام لأسابيع، وأحياناً لأشهر عدة. فهذا يضمن الحصول على تلك النكهة غير العادية التي تجعلها أكثر تميزاً من قطع اللحوم التي تقدّم في أماكن ضيافة أخرى.

وعندما يحين موعد الطهو، يعتمد شيف Ca Joan طريقة chuletón، وتعني الكلمة  قطعة ستيك من لحم البقر، كبيرة الحجم، تشوى على الفحم الأحمر الحار وتتبل بكمية كافية من الملح ثم تُقطع على شكل شرحات طولية عكس اتجاه خطوطها. وهكذا يمكن الحصول على قطع طرية جداً. إنه حلم يتحقق بالنسبة إلى عشاق اللحوم.

Aponiente، إسبانيا

قلعة ثمار البحر

يمكنك تناول أطباق ثمار البحر في كل مطاعم البحر الأبيض المتوسط، من الأماكن الأكثر فخامة إلى تلك التي تتسم بالبساطة فالأكواخ الصغيرة. لكن ليس من مكان أكثر فخامة وتجدداً ووفاءً لوصفات الأسماك المبتكرة من Aponiente الذي يقع في El Puerto de Santa María، وهو ميناء صغيرة جداً في خليج Cádiz. ويدير هذا المكان الشيف أنخيل ليون الذي يُعرف في إسبانيا بلقب "شيف البحر". وهو يذهب، لتحضير أطباقه المبهرة، إلى ما هو أبعد من وصفات البحر التقليدية، إذ يستكشف أنواعاً تقدمها مساحات المياه الشاسعة، مثل العوالق البحرية والميرنغ المحضر من الشعاب المرجانية والأعشاب التي تذكر بطعمها بأصناف أخرى، من المحار إلى الدجاج المقلي.

واللافت أنه ابتكر مثلاً طريقة جديدة لتحضير النقانق، حيث يستخدم لذلك لحوم الأسماك مثل القاروص والتونة والبوري. إذاً يأتي كل ما في Aponiente من البحر: المقبلات والحلويات وما بينهما.

من هذا المنطلق، قد تعتقد أن الشيف ليون لا يأكل سوى الأسماك وأنه يريد لك أن تقوم بالمثل. لكن الحقيقة تخالف ذلك. فقد ذكر مرات عدة أن حلمه هو العثور، في مياه البحر المتوسط، على مكونات أخرى وإقصاء الأسماك عن قائمة طعامه. لذا، فهو يبحث دائماً عن تلك المكونات ويقوم بتجربتها متخطياً كل القواعد. وقد أتت جرأته هذه ثمارها من خلال حصوله على ثلاثة نجوم ميشلان.   

Delta، أثينا

المبدع

رغم أنه حاز نجمتي ميشلان، إلا أن Delta لا يخوض المنافسة من أجل الحصول على تسمية المطعم الأفضل في اليونان. ما يطمح إليه القيمون عليه هو أن يصبح الأفضل في العالم. ويبدو أن الظروف في عالم الطهو باتت مهيأة لتسليم سدة القيادة لمثل هذا النوع من المطاعم. والدليل على هذا هو أنه تم، في العشرين سنة الماضية، الاحتفاء بالطعام الراقي من خلال إنشاء مطاعم تتبع مفاهيم جريئة ومبتكرة، من فرنسا إلى إسبانيا فالدول الاسكندنافية، ومن تلك المطاعمEl Bulli وNoma وغيرها من المطاعم التي غيرت معايير اللعبة وتصدرت المشهد. وبعدما تم إغلاقEl Bulli منذ أكثر من عقد من الزمن، خلفه Noma على لائحة تضم أفضل 50 مطعماً، علماً أنه أعلن لاحقاً أنه سيغلق أبوابه في العام 2024.   

لم تتم إضافة أي مطعم آخر إلى اللائحة، لكن يبدو أن Delta يمتلك مقومات التميّز التي تؤهله لقيادة المرحلة المقبلة. ويشار إلى أنه يقع في الطابق الخامس من مبنى Stavros Niarchos Foundation Cultural Center، ويتمتع بإطلالة على البحر الأبيض المتوسط لا يقدمها للضيوف أي من المطاعم التي ذكرناها في تقريرنا هذا. فمن هنا يمكن مشاهدة مياه خليج إيجينا الهادئة التي شكلت نقطة تبادل ثقافي في أزمنة الحضارات المختلفة، كما كان ميناء بيرايوس القريب مقراً للأسطول الحربي الأثيني الذي أبحر يوماً لمحاربة الفرس  وإسبرطة. في الحقيقة كثر هم أولئك الذين أرادوا غزو العالم انطلاقاً من هذا الموقع.

أما إذا أردنا التحدث عن الطعام في Delta، فنشير إلى أنه يقدم نموذجاً للمطبخ اليوناني الجديد الذي يحتضن ما يذكر بالتاريخ وما يشير إلى التطور والحداثة. وقد تعلم طاهياه ثانوس فيسكوس وخورخي بابازاكارياس بعض فنون الطعام في اسكندنافيا، قبل أن يعودا إلى موطنهما ليحدثا ثورة في عالم الطهو من خلال Delta. يمكن القول إن أطباقهما غريبة، لكنها لذيذة حيث تحول خس البحر مثلاً إلى فطيرة فيلو، فإذا كنت تعتقد أنك اختبرت الكثير من التجارب في عالم المأكولات، اذهب إلى هذا المكان وسيتبعك كثيرون.

Neolokal، إسطنبول

الصديق للبيئة

على حافة مضيق البوسفور، على ساحل البحر المتوسط، ستكتشف أفضل مطاعم إسطنبول على الإطلاق: إنه Neolokal، المطعم الذي أنشئ ليعيد إحياء طرق الطهو والمكونات التي لم يتم استخدامها منذ قرون. فشيف المكان ومالكه، مقصود أشكار، هو أحد المؤدين لحركة Slow Food، وهي تضم مجموعة من الطهاة، المزارعين، المنتجين، وبعض عشاق الطعام من كل أنحاء العالم، وتدعو إلى تناول طعام يحتوي على مكونات محلية وموسمية. فهذا يساهم، بحسب هؤلاء، في حفظ تاريخ الغذاء من ناحية ومستقبله في مواجهة العولمة والتغير المناخي من ناحية ثانية.

ويعني هذا التوجه "العودة إلى الجذور"، بحسب أشكار الذي يستخدم في Neolokal حبوباً وخضاراً يأتي بها من مزرعة تحمل الاسم نفسه وتقع على بعد 20 كلم عن إسطنبول. وتقدم هذه المزرعة نموذجاً حياً للزراعة المستدامة. فهناك يعتني عدد من المزارعين الخبراء بفدادين من الأرض ويبيعون أفضل ما ينتجونه فقط للمطعم. ولا يتردد الشيف "أشكار" في التحدث عن مصدر كل مكوّن تتضمنه قائمة الطعام، كما عن كيفية زراعته والعناية به ومعالجته.

وهكذا يتم استخدام فاكهة وخضار المزرعة لتحضير الأطباق المميزة التي تذكّر بالتاريخ الإمبراطوري الغني لتركيا. وبفضل هذه الإبداعات، بات المطعم يتمتع بشهرة عالمية.

Compartir، إسبانيا

البوهيمي

حين أغلق El Bulli أبوابه كمطعم (تحول إلى متحف) في العام 2011، أعلن الشيف فيرتان أدريا تقاعده، لكن طهاته الذين ساهموا في استمرار عمله لنحو 30 عاماً، أوريول كاسترو، إدوارد كزاتروش ومتيو كازانس، قرروا تحقيق طموحاتهم الخاصة. فبعد أن عملوا في بلدة كالا مونتجوي حيث مقر El Bulli، اكتشفوا تلك الزاوية الخاصة على الساحل الكاتالوني، أي شبه جزيرة كاب دو كرويس الرائعة إلى حد لا يصدق. وعلى الطريق المؤدي إليها والذي ينطلق من كالا مونتجوي، وجدوا بلدة كاداكويس الصغيرة التي تتسم بسحر غامض لا يضاهيه أي سحر آخر على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط.   

وشكلت هذه القرية، أحياناً، نقطة لتهريب البضائع بين فرنسا وإسبانيا ومخبأ للقراصنة. واللافت أن سكانها يتحدثون لغة كتالونية خاصة. أما الأمر الأكثر أهمية فهو أن هذه البلدة كانت مقصداً لعدد لا يحصى من الفنانين والكتاب، مثل دالي، ميرو، مارسيل دوشان، رونيه مارغريت ووالت ديزني. أما بالنسبة إلى طهاة El Bulli الثلاثة، فقد كان عليهم القيام بالخطوة التالية المهمة: الذهاب إلى كاداكويس. 

وهكذا افتتح الثلاثي مطعماً أطلقوا عليه اسم Compartir، ما يعني "المشاركة". وفي هذا المكان لا يشبه الطعام الذي يقدّم للرواد ذلك الذي يقدم في أي مكان آخر. فهنا يُستفاد من كل المنتجات التي كانت تُستخدم في El Bulli: اللحم المشوي الكتالوني الريفي، السلطة الصحية والمغذية أو الأرز المخبوز. إذاً لا بديل للجلوس في مكان الضيافة هذا والاستمتاع بالمحادثات الطويلة، بالمشروبات الباردة وبحرارة الشمس. إنه مطعم المبدعين بامتياز.  

Le Louis XV، موناكو

الكلاسيكي

مع ظهور اتجاهات جديدة بين الحين والآخر، قد يكون من السهل أن تنسى الأماكن الكلاسيكية التي حافظت على معاييرها لسنوات طويلة. لكن هذا لا ينطبق على Le Louis XV الذي ما زال يفتح أبوابه منذ 36 عاماً محافظاً على مكانته كأفضل مكان لتناول الطعام على وجه الأرض. إنه مطعم أحد أكثر الطهاة شهرة في التاريخ، آلان دوكاس، الذي خاض تحدياً فرضه الأمير رينييه، أمير موناكو، وتمكن من تحويل Le Louis XV إلى مطعم حائز على ثلاثة نجوم ميشلان في أربع سنوات فقط. 

وإذا أردنا وصف الديكور الداخلي لهذا المطعم، لا بدّ أن نشير إلى أنه لا يشبه بتصميمه أي مطعم آخر. فهو يتسم بسقوفه المرتفعة المزينة بأسلوب مميز، بأعمدته الكورنثية، بإطارات مراياه المذهبة، وبروعة ثرياته. في الواقع، ينضح كل ما في هذا المكان بالفخامة التي تنسجم وأجواء مونت كارلو.

أما الطعام هنا فهو فريد وأنيق، إذ تغيرت فلسفة دوكاس في عالم الطهو مع مرور الزمن وباتت أطباقه تحتوي على كل ما هو طبيعي. لذا يشغل الجزر والكوسى في مطبخه المكانة عينها التي يحتلها الكافيار وكمأ Périgord. فالفخامة تظهر في كل طبق سواء كان يحتوي على جراد البحر الأزرق المدخن أو على الخضار البروفنسية. يمكنك إذاً أن تثق بـ Le Louis XV الذي احتفظ بنجومه الثلاثة لمدة 30 عاماً لتعيش تجربة طعام لا تتكرر.