حلم يتحقق على متن طائرة

حلم يتحقق على متن طائرة

تقدم قائدة الطائرة السعودية دارين الصالح مثالاً يُحتذى في عالم النساء الطموحات
23 نوفمبر 23
Dareen AlSaleh
Share

تهدف رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة للعام 2030 إلى تعزيز إمكاناتها على الصعد كافة. وهي تعتمد في هذا الإطار على عناصر عدة، منها الاستثمارات الاستراتيجية، التنويع الاقتصادي، التطور الاجتماعي وتمكين الأفراد. ويعتبر تعزيز حضور المرأة من أبرز الركائز التي تستند عليها هذه الرؤية. ويعني هذا إطلاق المبادرات وبذل الجهود التي تهدف إلى دعم مشاركة النساء في مشهد التحول العام.

وانسجاماً مع هذه التطلعات، أطلقت شركة أرامكو السعودية، برنامج تدريب على الطيران مخصصاً للنساء. وحتى يناير 2023 أنهت المشاركات مرحلة التدريب وشغلن مراكز في الشركة. وشكلت هذه الخطوة تحولاً كبيراً في عالم الطيران الذي كان حكراً على الرجال في المملكة لسنوات طويلة.

وفي هذا السياق، التقينا دارين الصالح، إحدى قائدات الطائرات الأربع، الحائزة على شهادة في الطيران التجاري وعلى أخرى من جامعة داكوتا الشمالية في الولايات المتحدة الأميركية. وخلال اللقاء تحدثت إلينا عن رحلتها من الألف إلى الياء.

الرحلة

تسعى دارين إلى الاستفادة من كل الفرص التي تتيح لها التعلّم وخوض تجارب جديدة. وهذا ما تشير إليه بقولها: "اكتشفت مؤخراً أن أسماءنا ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمعرفة".     

وإذ تتحدث عن أحد الأسباب التي دفعتها إلى خوض تجربة الطيران، تقول إنها أرادت أن ترى العالم من علٍ، مضيفة أنها حظيت بفرصة السفر إلى أكثر من 30 بلداً قبل أن تتخطى الـ27 عاماً. 

ولدى سؤالها عن الوجهة المفضلة لديها، تجيب بأنها عاشت في اليابان تجربة لا مثيل لها، لافتة إلى أن هذا البلد يتميز بثقافته، مطبخه ومناظره. كما وصفت شعورها بالدهشة لدى مشاهدتها روعة تضاريس المملكة العربية السعودية من السماء: "في أثناء تحليقي، أثارت مشاهد كثيرة إعجابي الشديد، من جبال أبها، إلى ساحل البحر الأحمر وعروسه جدة، فصحراء شيبة ذات الرمال الحمراء".

وتحلم دارين بأن تتاح لها فرصة التحليق فوق أضواء الجنوب، البحر الكاريبي، ومياه جزر البهاما الفيروزية.

التجربة

حين اكتشفت شغفها بالطيران، حرصت دارين لسنوات على أن تعرف الكثير عن هذا العالم. وبعد أن حازت شهادة في الهندسة الصناعية من الجامعة الأميركية في الشارقة، التحقت ببرنامج أرامكو وشعرت بسعادة غامرة عندما تم قبولها. وتعليقاً على هذا تقول: "أرى أنني سعيدة الحظ لأنني حظيت بهذه الفرصة المهمة".

وبالفعل، خاضت دارين تجربة تعلّم ناجحة، لكن تمّ هذا في مرحلة الحظر التي فرضها انتشار فيروس كورونا. لذا كان عليها الالتزام ببعض القواعد والقيود مثل وضع الكمامة خلال الحصص التدريبية، فضلاً عن حضور بعض الدروس عبر الإنترنت.

وتتذكر ذلك بالقول: "تجاوزت الذكريات الرائعة التي جمعتها خلال مرحلة التدريب كل الصعوبات والتحديات"، مضيفة: "أشعر بالامتنان تجاه الدعم الذي تلقيته من الزملاء، المدربين، الأصدقاء، وبالطبع أفراد عائلتي الذين ساعدوني على تحقيق أهدافي".

تحديات

تتذكر دارين رحلتها الأولى وتشير في هذا السياق إلى أنها كانت تقود الطائرة بمفردها عائدة إلى مطار غراند فوركس الدولي في الولايات المتحدة الأميركية، حينها فقدت الاتصال بالقاعدة بشكل مفاجئ ولاحظت ازدحاماً في منطقة الهبوط: "في البدء، شعرت بالهلع، لكنني سرعان ما تذكرت أنه عليّ الحفاظ على هدوئي والاهتمام بسلامتي أولاً". 

وتروي أنها تمكنت أخيراً من التقاط الإشارة أثناء تحليقها على ارتفاع منخفض، وأنها تلقت المساعدة من مدربها ما مكّنها من القيام بهبوط آمن. وهي لا تنسى تلك الرحلة وتبدي استعداداً لمواجهة كل المفاجآت والتحديات من أجل تحقيق التقدم.

بالفعل، أدركت دارين، من خلال تجربتها كقائدة طائرة، أهمية الحفاظ على هدوئها وتعزيز ثقتها بقراراتها، بل تعلمت كيفية التعامل مع التغيير الذي قد يطرأ على سيناريو الحياة الواقعية والذي قد لا يتطابق مع ما تنص عليه المعطيات النظرية.   

ماذا بعد؟

تسير السعودية بخطى حثيثة على طريق التحول إلى وجهة مميزة يقصدها ملايين المسافرين من حول العالم. ولهذه الغاية يتم الاستثمار في قطاعي السياحة والطيران. وهو ما يدفع إلى إنشاء أكاديميات التدريب في مجال الطيران، بحسب دارين التي تضيف: "إلى جانب التدريب، يمكنك أن تحظى بفرص كثيرة لتحقيق التطور في مجال عملك، ولبناء شبكة علاقات مهنية مهمة لا مثيل لها في كل أنحاء العالم".

وتتوقع قائدة الطائرة الشابة أن يؤدي السير على خطى رؤية 2030 إلى تحقيق تطور لافت في مجال الطيران، تماشياً مع تركيز المملكة على تنمية القطاع السياحي.

وهو ما توضحه بقولها: "يشهد قطاع الطيران في المنطقة ازدهاراً لافتاً، وأشعر بالفخر بمشاركة النساء في هذا التحوّل، علماً أن السعودية تحتضن عدداً كبيراً من الطيارين المحترفين والمهندسين والخبراء وكثيراً من الطاقات الواعدة".

وتدعو دارين أخيراً المزيد من النساء إلى الانضمام إلى عالم الطيران وتتوجه إلى هؤلاء بالقول: "لا تقللي من شأن نفسك أبداً، ثقي دائماً بقدراتك وحدّدي أولوياتك".