تجربة لقيا: ملتقى الغرباء

تجربة لقيا: ملتقى الغرباء

من حافة العالم، نُقلت إلينا هذه التجربة الاجتماعية التي جمعت ستة غرباء، لتعلّمنا كيفية تكوين الصداقات والتعرّف أكثر إلى الذات
01 نوفمبر 23
Loqya: The Edge of the World
Share

تجربة: أسامة جبرتي

هل أمعنت التفكير يوماً في مفهوم إقامة اتصال عميق مع شخص غريب؟ ألم تفعل ذلك؟ في الواقع، هذا ليس مستغرباً. فمعظم الناس لا يبدون اهتمامهم بذلك. ونستثني من هؤلاء عبيدة المصطفى، ففي العام الماضي، قرأ هذا المرشد السياحي والمبدع مقولة أدت إلى تغيير نظرته إلى العلاقات الاجتماعية. وبحسب هذه المقولة "من الجيد تكوين الصداقات من خلال العالم الافتراضي، لكن من المهم جداً أيضاً الحرص على تحويلها إلى صداقات واقعية"، وهو ما شجعه على المضي قدماً وعلى إطلاق تجربته الاجتماعية التي تجذب عدداً متزايداً من المهتمين: لقيا.

Loqya: A Stranger Bond

البدايات


يتحدث عبيدة عن بدايات تجربة لقيا فيقول: "أعترف بأنها كانت في البدء فكرة غريبة. فقد نشرتُ عبر حسابي على إنستغرام رسالة أشرت فيها إلى رغبتي في لقاء شخص غريب في أحد المقاهي، كما حددت القواعد العامة للتجربة، ومنها مدة اللقاء".
لم يتوقع عبيدة، وهو سوري أمضى حياته في المملكة العربية السعودية، أن يتلقى أي إجابة على سؤاله. لكن حدثت المفاجأة حين بلغته ردود سئل فيها عن موعد اللقاء، وبالفعل قرر خوض التجربة. ويتذكر أنه انتقل من شخص إلى آخر، مضيفاً: "في البدء التقيت 8 أشخاص، ولم يكن من السهل التحدث إليهم، لذا قررت الاستعانة ببطاقات الأسئلة لجعل الأمر أكثر سهولة".


وتطورت الفكرة والتجربة مع مرور الوقت. وتعيّن على الراغبين في المشاركة فيها أن يرسلوا إليه، عبر إنستغرام، رسائل يحددون فيها تفاصيل ترتبط باللقاء، من الوقت، إلى اليوم فالمدينة المفضلة لديهم، على أن يعيد نشر هذه التفاصيل مع الحرص على إخفاء المعلومات الشخصية. وبناءً على الردود التي يتلقاها، يقوم عبيدة بتنظيم الجلسة في أحد المقاهي في منطقة يتم اختيارها.


وفي المرحلة التالية، طرح عبيدة فكرة عقد الاجتماعات في أماكن نائية، وهو ما شكل التجربة التي باتت تُعرف باسم لقيا. وهي تجربة اجتماعية يشارك فيها ستة أشخاص لم يلتقوا من قبل، حيث يتعرفون بعضهم إلى بعض عن طريق الإصغاء وطرح الأسئلة.
وقد بدأ المتابعون يتناقلون أخبار لقيا بسرعة. وفيما شكّك فيها بعض هؤلاء لأن اللقاء يتم في مواقع نائية، رأى كثر أنها تجربة قد تكون مثيرة للحماس إذا تم تشاركها مع مجموعة ما.

في قلب التجربة


شارك مصوّر LIST، أسامة جبرتي، في هذه التجربة، ونقل إلينا انطباعاته: "أرى أن لقيا هي مساحة تتيح لأشخاص لم يلتقوا من قبل، التعرف على بعضهم البعض من زوايا مختلفة، وتجربة تسمح لك بلقاء مشتركين لا ينتمون إلى دائرتك الاجتماعية".

ويتحدث أسامة، في السياق نفسه، عن أحد منشورات عبيدة، وفيه أشار الأخير إلى أننا نميل، منذ ولادتنا، إلى البقاء في الدائرة نفسها، فننتقل مباشرة من أماكن الدراسة إلى أماكن العمل، ما يحدّ من قدرتنا على اختبار تجارب جديدة والتعرف على وجهات نظر مختلفة. كما لفت إلى أن العلاقات الاجتماعية تشكل غالباً بوابة تتيح لنا العبور إلى الحياة ورؤيتها من زوايا جديدة.


وحين علم أن عبيدة يقوم بتنظيم لقاءات انطلاقاً من رغبة عارمة في مساعدة الناس على التواصل، مجاناً، قرر الانضمام إلى لقيا. وهو ما يوضحه قائلاً: "أحببت مفهوم التجربة حقاً. لكنني شعرت ببعض التوتر لأنني لست اجتماعياً جداً، كما أن فكرة لقاء أشخاص لا أعرفهم بدت غريبة بالنسبة إلي". إلا أنه تخطى ذلك ولبى الدعوة،
وأتاحت له اللقاءات في كل مرة فرصة التعرف بشكل أفضل إلى المشاركين وتعزيز سبل التواصل معهم. كما سمحت له لقيا بتعلم كثير من الدروس القيمة، مثل فهم الأسباب العميقة المحتملة للمواقف السلبية، وعن هذا يقول: "أتعلم، بشكل تدريجي، التحلي بالصبر والإصغاء".


ويشار إلى أنه اختبر أحدث تجاربه في إطار لقيا في موقع حافة العالم، الأعجوبة الجيولوجية الكائنة في شمال غرب الرياض، والخلفية الرائعة لأي لقاء قد يتم عقده مع الغرباء. وقد تعين عليه كما على المشاركين الآخرين إحضار الماء والوجبات الخفيفة، علماً أن الفريق انطلق من العمارية ووصل إلى نقطة اللقاء قبل نصف ساعة فقط من لحظة الغروب.
وبعد ترتيب منطقة الجلوس، وضع المشاركون وجباتهم الخفيفة في الوسط ليتمكنوا من تشاركها. واصطحبهم عبيدة بعد ذلك إلى قلب التجربة التي تقضي بالإجابة على أسئلة تتضمنها 100 بطاقة صممت لتنسج خيوط قصة كل منهم. وكان على خمسة مشاركين طرح الأسئلة على أحدهم، على أن يتم التركيز في كل مرة على موضوع جديد وعلى أن يشمل هذا كل الحاضرين.


وهذا ما يشير إليه أسامة بقوله: "طُلب منا عدم إصدار الأحكام على الأشخاص استناداً إلى إجاباتهم وعدم مقاطعتهم إذا تكلموا، فقد أصبحنا مستمعين جيدين. لاحظت أن معظم المشاركين تميزوا بالانفتاح الذهني والقدرة على تفهم الآخرين".


ويتابع أنه استطاع من خلال كل إجابة اكتشاف ذاته، موضحاً: "يساعدك التعرف إلى الناس على فهم نفسك بشكل أفضل".
ويلفت إلى أن بعض الأسئلة كان ذا طابع شخصي، وأنه كان بإمكان المشاركين عدم الإجابة عليها في حال لم يرغبوا في ذلك، مضيفاً أن كل هؤلاء قرروا الإجابة وأنه فوجئ بصراحتهم وصدقهم: "خضنا جولتين إلى أن بلغت الساعة 11 مساءً. في الواقع، لم نشعر بمرور الوقت. وقد أضافت الطبيعة إلى تجربتنا هذه طاقة رائعة، ما جعلنا نعيش السلام الداخلي".

الأثر العميق


تركت التجربة أثراً عميقاً لدى أسامة، وجعلته أكثر وعياً، بل أكثر إنسانية وقدرة على تقبل الآخر المختلف على حد تعبيره: "أرى في الغرباء نعمة، إذ يمكننا إظهار حقيقتنا أمامهم. ولن يكون الأمر محرجاً بالنسبة إلينا في حال التقينا هؤلاء مجدداً، لأن التواصل بيننا كان عميقاً ولأن بعضنا سيبدي تفهمه لبعضنا الآخر".
وشاركنا عبيدة أفكاره قائلاً: "أكثر ما تعلمته عن نفسي هو أنني أجيد الاستماع أكثر من الكلام. كذلك اكتسبت المعرفة في ما يتعلق ببعض المشاكل النفسية وبكيفية مواجهتها والتغلب عليها. أما الأمر الأكثر أهمية فهو أنني اكتشفت، من خلال تجارب عرضها آخرون، معاناتي من فرط الحركة ونقص الانتباه. فكل لقاء يُعقد في إطار لقيا يغنيني بطرق كثيرة، وأنا أشعر بالرضا والامتنان تجاه ذلك".

ويطمح عبيدة إلى تحويل لقيا، مستقبلاً، إلى مؤسسة قائمة بذاتها، وإلى توسيع حدود عملها لتشمل مناطق مختلفة من المملكة، وربما من بلدان أخرى. ومع اقتراب مرور عام على انطلاق التجربة (نوفمبر 2023)، لا بد من الإشارة إلى أن تطورها وتأثيرها على حياة الأشخاص المشاركين فيها مسألةٌ تستحق المتابعة.


@obidah_hm