وطني الثاني

وطني الثاني

يروي خمسة مغتربين قصصاً عن حياتهم في السعودية، ويعدّدون كثيراً من أسباب ارتباطهم بمجتمعها وجذورها ومشاهدها
21 سبتمبر 23
This is Home: Residents describe their experience of living in Saudi
Share

عند إقامتك في بلد غريب ينتابك شعور مزدوج: حلو ومر. فأنت تقف في هذه الحالة على مشارف ثقافة جديدة، حياة جديدة، وقد تشعر في البدء بعدم الاستقرار، بل بالخوف من عدم تمكنك من بناء صداقات جديدة، أو من تحقيق التقدم على المستويين الشخصي والمهني، أو ربما من صنع ذكريات جديدة. لكن هذا الأمر قد لا ينطبق عليك إذا كنت من الأشخاص الذين يتوقون إلى اكتشاف ثقافات مختلفة، خوض تجارب غير اعتيادية والوصول إلى بقع مجهولة.

ورغم أن البحث عن موطئ قدم في البلدان الغربية ما زال أمراً شائعاً، بدأ كُثر يتجهون إلى الإقامة في منطقة الشرق الأوسط. وتدفعهم إلى هذا أسباب مختلفة، منها فرص العمل، أو الجاذبية الجغرافية أو غير ذلك. لكن لا بد من الإشارة إلى أمر يتشاركه كل الوافدين إلى المملكة العربية السعودية: فبعد إقامتهم على أرضها، سرعان ما يعلنها هؤلاء وطناً ثانياً لهم.

سيسيليا بيتريه: أتمنى الانتماء إلى هذا الوطن

منذ عقدين من الزمن، تعيش سيسيليا خارج بلدها، إذ تنقلت بين المملكة المتحدة، تايلند، وعُمان. لذا، اعتادت التكيّف مع بيئات وأساليب حياة جديدة. وإذ تعود بأصولها إلى منطقة بريتاني ذات السواحل الوعرة في فرنسا، تتوق سيسيليا دائماً إلى خوض المغامرات. ورغم أنها تقيم حالياً على بعد أميال كثيرة عن عائلتها، فهي تسعى بحماس شديد إلى استكشاف الجواهر السعودية المخفية وتحرص على المساهمة في إظهار التغيير الذي تشهده المملكة كلما أتيحت لها الفرصة لذلك.

وفي هذا الصدد تقول بحماس كبير: "أرى التغيير الحاصل هنا، وما أردته في البدء هو تقديم الدعم وما أريده حالياً هو أن أصبح جزءًا من هذا المشهد"، وتتابع: "بدأ التحول سلساً وأنا شهدت على ذلك".

ويشار إلى أن مديرة الاتصالات، العلاقات العامة والتسويق في منتجع "نوفا الرياض" أمضت ثلاث سنوات متنقلة بين حي العليا وضواحي الرياض الهادئة. وعن هذا تقول: "كثيراً ما أتفاعل مع السعوديين وأحب ثقافتهم وأهتم بها إلى حد بعيد. في الواقع، يمكنني وصف الضيافة السعودية بالأسطورية".

وتتابع: "بالطبع نسجت صداقات مع أشخاص أجانب، فأنا أتفاعل مع الجميع"، مشيرة إلى أنها غادرت الرياض إلى عُمان بعد فرض الإغلاق إثر انتشار جائحة كوفيد 19.    

وتذكر سيسيليا أنها تحب المشاركة في نشاطات النوادي الفنية، في المحادثات الإبداعية، وفي ورش العمل. كما أنها تهوى السفر والتنقل في أنحاء المملكة. ففي أيام إجازاتها تراها تشارك في قطف التمور في بريدة أو تقوم بالتقاط الصور للإبل في المركز الزراعي في القصيم.

وتعبيراً عن استمتاعها بهذه التجربة تقول المرأة المغامرة: "كثيراً ما أقوم برحلات إلى وجهات مميزة، وغالباً ما أقصد منطقة القصيم وأستمتع بزيارة المنطقة الشرقية". 

وتعليقاً على احتفاء السعوديين باليوم الوطني لبلدهم في سبتمبر، تقول: "أحب اليوم الوطني ويوم التأسيس، فخلال كل منهما تتزين الشوارع بالألوان، ويصبح السعوديون أكثر تماساً مع جذورهم، ويعرضون عاداتهم الثقافية ويجعلوننا نشعر بأننا نشكل جزءًا من الحدث المميز".

كذلك تشير سيسيليا إلى أن المملكة هي من أكثر البلدان التي زارتها أماناً، وتضيف: "الحياة في السعودية رائعة بالنسبة إليّ كامرأة أوروبية عزباء. يتم التعامل معي بكثير من الاحترام وأنا أشعر هنا بالرضى والسعادة. أحب السعودية".


إيفياني إيفيزي: أتخطى حدود البلدان والثقافات

بعدما انتقل برفقة عائلته المكونة من خمسة أفراد إلى المملكة العربية السعودية، بدأ إيفياني فصلاً جديداً من حياته في مدينة الخُبر منذ ست سنوات. ويبدو أن تجاربه في عالم السفر جعلت انتقاله للإقامة في بلد جديد أمراً سهلاً جداً.

وهو يوضح هذا بقوله: "كان الانتقال سهلاً نسبياً لأن عائلتي التي تحمل الجنسيات البريطانية، البولندية والأميركية، اعتادت العيش في بلدان مختلفة قبل قدومها إلى السعودية. شكلت اللغة التحدي الأكبر بالنسبة إلي، لكن تجد هنا دائماً من يمكنه مساعدتك"، مضيفاً: "أنا أشعر بالأمان، فالمملكة هي المكان الأكثر أمناً الذي عشت فيه يوماً، كما أنها مناسبة جداً لتربية الأطفال".ويشعر إيفياني الذي يعود بأصوله إلى مانشستر، مدينة الأمجاد الرياضية المميزة، بكثير من المتعة وهو يتصفح المشهد السعودي الطبيعي أثناء تنقله من مكان إلى آخر. فقد استكشف العديد من المناطق، من أبها المغطاة بالضباب إلى مزارع الورود المذهلة في الطائف.

ويصف بعضاً من رحلاته بالقول: "قمت برحلتين بريتين وبالقيادة في مختلف أنحاء السعودية. أما وجهتي المفضلة فهي أبها. في الواقع، شعرت بمتعة لا تضاهى أثناء القيادة على طرقاتها الجبلية حيث شاهدت قرود البابون (الرباح) وهي تتنقل من مكان إلى آخر. كذلك كانت القيادة من أبها إلى جازان أمراً مثيراً للحماس، إذ تميزت الرحلة بكثرة المنعطفات وأتاحت لي رؤية الحصون القديمة التي تنتشر هنا وهناك".

ويشير إيفياني الذي يعمل مديراً في شركة تقدم خدمات في مجال الطاقة إلى أن ما لفت اهتمامه أثناء قيامه برحلاته هو حب السكان المحليين للحلويات. وفي هذا السياق يقول: "بالفعل فوجئت بحب الناس هنا للحلويات. فمعظم زملائي يأتون بها إلى مكان العمل ويقدمونها للضيوف"، لافتاً إلى أنه يحرص على الحفاظ على وزن صحي ويمارس رياضة الجري في فصل الشتاء أو ركوب الدراجة على امتداد الخط الساحلي.  

إلا أنه لا يتردد في اختيار الأطباق التي يحب من أماكن يختارها مثل Operation Falafel ،Sunroom و Pattis، علماً أنه كوّن دائرة من الأصدقاء المحليين والأجانب، إذ يرى أن لقاء أشخاص جدد أمر سهل في السعودية، معرباً عن إعجابه بثقافة البلد وجماله وبكلمة "ما شاء الله"، ويضيف أن ثمة ما يبعث على الإحساس بالدفء في الأصوات التي تتحدث العربية. وإذ يقدم نصيحة للراغبين في الانتقال للعيش في السعودية، يقول: "انسَ كل المعلومات التي قدمها لك أحدهم، وتقدم نحو المملكة بعقل منفتح. ستشعر حقاً بالرضى".


روب آشمن: أسعى إلى دعم الاقتصاد السعودي

لم يكن الانتقال إلى بلد غريب بالنسبة إلى روب أمراً سهلاً، وهو ما يشير إليه المواطن البريطاني بالقول: "حين انتقلت إلى هنا، بدا لي الانطلاق من نقطة الصفر في بلد غير مألوف شاقاً للغاية. أعني بهذا كل التفاصيل، من الحصول على تأشيرة إلى فتح حساب مصرفي، فالتنقل في أنحاء المدينة، واعتماد رقم هاتف جديد، والإقامة في مكان مناسب، ومهمات كثيرة أخرى".

لكن روب فوجئ بأنه يمكنه الحصول على كثير من الدعم هنا، وبأن المساعدة متاحة للمواطنين والوافدين على حد سواء.

ويوضح المستشار في مجال إدارة المشاريع هذا بقوله: "بالفعل أراد الناس دائماً تقديم الدعم لي. وهذا الحس الاجتماعي هو ما جعل انتقالي إلى المملكة عملية سلسة، على عكس ما كنت أعتقد".

في الواقع، انتقل روب من مقاطعة Hertfordshire الإنكليزية إلى العاصمة السعودية التي تشهد تحولاً كبيراً وسريعاً، لأسباب مهنية. ويتذكر تلك الحقبة بالإشارة إلى أنه كان يتوق حينها إلى إحداث تغيير ما في حياته. ويتابع: "أراد شخص أعرفه الانتقال من المملكة المتحدة إلى تبوك، للعمل ضمن مشروع المدينة الذكية، "ذا لاين"، وقد أثار هذا فضولي. ولاحقاً شاهدت إعلاناً يتطرق إلى مشروع "نيوم" الرائد. وهكذا ازداد اهتمامي بالسعودية وبرؤيتها للعام 2030. وبعد ملاحظتي التحول الكبير الذي يشهده هذا البلد، أعلنت استعدادي للقيام بالقفزة الكبرى".

ورغم أنه قرر الانتقال إلى الرياض بمفرده، يشعر روب بالرضى، ويعبر عن هذا بقوله: "رأيت في السعودية ميلاً إلى المغامرة وشهدت على كرم ضيافة يرتبط بتاريخ البلاد وعاداتها، وهو ما يجعلني أعيش تجربة ممتعة للغاية. في الحقيقة، أيقنت أن صورة السعودية كبلد منعزل، حذر على مستوى التفاعل مع العالم، غير واقعية".

إلا أن سبب تعلق روب بالسعودية لا يقتصر على إعجابه بأسلوب الحياة فيها، بل يشمل أيضاً مشهد الطهو الذي أتاح له كثيراً من الخيارات. وإذ يتحدث عن ذلك يقول: "مشهد  الطهو في الرياض دائم الاتساع والتطور، إذ يشهد افتتاح كثير من المطاعم شهرياً. وبالطبع، يتوفر ما لا يعد ولا يحصى من الخيارات، إلا أنني أفضل "عسيب" النجدي، Brekkie ،Brew Crew Pizza Bar IOI ،Meat Moot وIris.

ولا ينسى روب الثناء على كرم الضيافة في المملكة، إذ يقول معبراً عن إعجابه بذلك: "تلقيت عدداً كبيراً من الدعوات للجلوس إلى موائد العائلات. وقد وجهها إلي سائقو سيارات تاكسي أرادوا إضفاء المزيد من الدفء على بيوتهم. كان هذا مؤثراً جداً".

وينصح روب الجميع بالذهاب إلى العلا، إذ يصفها بالمدهشة، ويقول: "هناك ستشهد على تأثير الحضارة النبطية وعلى تحول موقع اليونيسكو الشهير هذا إلى وجهة سياحية عالمية. بالفعل، لا بد من زيارة العلا لأنها تشكل مثالاً على بروز السعودية كنقطة مضيئة على خريطة السياحة العالمية".

 ويرى روب أن السعودية موطن لمحبي الاستكشاف العالميين، ويعلق على هذا بالقول: "تشكل هذه البيئة عامل جذب للمستكشفين. فالسعودية تقدّم مشهداً حافلاً بالتقاليد القديمة كما بالمناظر الطبيعية، ما يجذب المسافرين من أنحاء العالم كافة. فلا تتردد في القدوم إليها وفي الغوص في ثقافتها"، مشجعاً كل من يرغب في الانتقال إلى هذا البلد على فعل هذا من دون تردد.


كاسندرا هيلبرون: أعيش في وطنٍ آخر

في سن الـ36 عاماً، تولت كاساندرا منصب رئيسة تنفيذية، وهو ما شكل علامة فارقة في حياتها، لكنها كانت تحلم فقط بالعودة إلى أستراليا. ويبدو أن هذا الواقع تغير مع مرور السنوات، إذ تعيش هذه المديرة حالياً في الرياض حيث لا تجد سبباً للشكوى أو التذمر.

وقبل انتقالها إلى مجال عملها الحالي، عملت كاساندرا مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا منذ العام 2019 ولمدة عامين. وتصف حياتها المهنية كامرأة تعيش في المملكة بقولها:

أرى أن حياة سيدة الأعمال في السعودية أكثر سهولة منها في العالم الغربي. فهنا لا وجود للعقبات التي قد تواجهها المرأة في الغرب على مستوى التطور الوظيفي، تولي المناصب العليا، التمييز بين الرجال والنساء، هنا، العكس هو الصحيح تماماً.

وإذ تروي بعض تفاصيل حياتها في السعودية، تتذكر أنها واجهت صعوبة في استخدام بعض الكلمات العربية، وهو ما تعبر عنه بقولها: "استغرق الأمر بعض الوقت قبل أن أعتاد استخدام عبارة "إن شاء الله" في محيطي المهني. في الواقع، تُقال هذه الكلمة مرات كثيرة يومياً".

كذلك لم تعتد كاساندرا بعض أوجه الحياة بسهولة، وحين تتحدث عن هذا تذكر مثلاً بيئة العمل الهادئة والحياة الليلية. وتقول: "يبدأ اليوم هنا في وقت متأخر، في حين كان علي الحضور إلى المكتب في أستراليا عند السابعة صباحاً. وثمة اختلاف آخر يرتبط بموعد العشاء، فقد تلقيت دعوتي الأولى للجلوس إلى مائدة عشاء عند الساعة 10 مساءً، وهو وقت يتخطى موعد النوم في أستراليا".

ورغم أنها واجهت، في البدء، صعوبة في الانتقال إلى بلد جديد بمفردها، إلا أنها تشيد بالشعب السعودي وبحرصه الطبيعي على إظهار الاحترام والرغبة في المساعدة.

وتتذكر في هذا السياق أنها احتاجت ذات يوم إلى المساعدة عندما قصدت أحد متاجر البقالة. حينها لم تكن تعلم أن عليها تسجيل أوزان الخضار والفواكه وأسعارها في القسم المخصص لها (يتم فعل هذا في أستراليا في قسم آخر). لذا مدت لها عائلة سعودية يد العون ودعتها للجلوس إلى مائدتها.

وتشير إلى أن ذلك جعلها تدرك أن السعوديين يتمتعون بكرم الضيافة ويفتحون أبوابهم لاستقبال الضيوف، لافتة إلى أن الدعوات إلى العشاء أمر اعتيادي. 

وكما هي حال معظم المغتربين المقيمين في المملكة، تبدي كاساندرا إعجابها بالمناظر الصحراوية الطبيعية التي تتميز بها العلا، معلنة أن مكانها المفضل هي مدينة الوجه الصغيرة الواقعة على ساحل البحر الأحمر. وتعبيراً عن إعجابها بها تقول: "هي مدينة رائعة تطل على البحر الأحمر مباشرة، فيما يتسم سكانها بكرم الضيافة. فهناك شعرت بأنني عدت إلى كوينزلاند حيث المياه النقية".  

وهي تدعو الجميع إلى زيارة الرياض، جدة، العلا، الوجه، أبها والطائف، لافتة إلى أن لكل وجهة سحرها الخاص. وتشير إلى أن لدى السعودية ما تقدمه لكل زائر، من رحلات المشي لمسافات طويلة، إلى المواقع التاريخية، فالمطاعم المميزة، الفعاليات والنشاطات الرياضية وطرق الاسترخاء المتنوعة. وإزاء هذا لا تتردد كاساندرا في وصف السعودية بأنها وطنها لسنوات عدة مقبلة.   


نيري كوكس: أكتشف ثقافة جديدة وأرفض الصور النمطية

انتقلت نيري برفقة زوجها ستيورت من بريسبان إلى الرياض في العام 2015، من دون التخطيط مسبقاً لما قد تكون عليه حياتهما في المملكة. في الواقع، لم يدركا أنهما سيعيشان هنا، في منزلهما الخاص، حياة سعيدة برفقة ابنتيهما. في تلك الحقبة كان ستيورت موظفاً يعمل في مشروع قطار الرياض فيما كانت نيري مصورة مستقلة.

وبالحديث عن تلك المرحلة تقول الأخيرة: "كان كل شيء مختلفاً بالنسبة إلينا، لا شيء يشبه ما كانت عليه حياتنا في أستراليا! بل برزت أمام أعيننا تناقضات واضحة بين المكانين على المستوى البصري والثقافي. كان ذلك مثيراً للحماس والقلق في آن. فقد كانت مغادرتنا المجمع السكني في كل مرة أشبه بمغامرة حقيقية. وكمصورة فوتوغرافية، لاحظت روعة الألوان الهادئة والضوء. مدهشان فعلاً! لذا فتحت عينيّ وأردت التقاط الصور لكل شيء، وما زلت أفعل ذلك".

وتظهر نيري حماسها تجاه إلغاء الصورة النمطية المرتبطة بالمرأة السعودية خصوصاً والعربية عموماً. وفي هذا الصدد تقول: "تتميز النساء هنا بالذكاء، القدرة على التواصل، الطموح، الإبداع، وهذا يخالف الأحكام غير الصائبة التي تطلق عليهن. لقد نشأت ابنتاي هنا، وأنا أحرص على الدفاع عن السعودية".

وتشير نيري إلى أنها تمتعت بالحرية كمصورة وأنه لم يتم التعامل معها بطريقة غير عادلة. وتلفت إلى أن مرحلة الطفولة التي عاشتها ابنتاها في المملكة جعلتها تشعر بالأمان في ما يتعلق بواقع المرأة، موضحةً أن الفتاتين نشأتا في الرياض حيث قصدتا مدرسة American International School.

وتصف طفولتها بالشاعرية وتتابع: "مع ارتفاع أعداد الوافدين، حرصت على أن تتسم ابنتاي بالمرونة واللطف. أرى أن الرياض مدينة آمنة لعيش الأطفال، إذ يمكنهم التجول بحرية داخل أسوار المجمع السكني والشعور بالأمان في المدرسة. كما يمكنهم القيام برحلات استكشافية إلى العديد من المواقع".

وترى نيري أن البلد شهد تحولاً كبيراً وسريعاً، لافتة إلى أنها شهدت على هذا التغيير، وتقول: "من الرائع أن تستمع إلى الموسيقى في مختلف الأماكن"، لافتة إلى أنها تبدي اهتماماً كبيراً بنمو الحركة الفنية والثقافية في البلاد. وتصف المشهد بقولها:"أرى أن مشهد الفنون البصرية رائع وأنه يزداد اتساعاً. فهنا يتوفر كثير من المواهب، ومن صالات العرض المميزة، كما أن السلطات تدعم الفنون حقاً، وهو ما يثير إعجابي. بالفعل، أرى أن لا دولة أخرى في عالمنا تشجع الفنون إلى هذا الحد. لذا لا بد من أن أتمكن من الاستفادة، كمبدعة، من فرص كثيرة تتيحها لي الإقامة هنا".

وإلى جانب إعجابها بالضيافة، الأطباق، والثقافة السعودية، تجد نيري في "التوقف للصلاة خمس مرات يومياً" أمراً مميزاً. وتشير إلى أن الدعوة إلى الصلاة تثير اهتمامها، وأن هذا يبث في داخلها شعوراً بالسكينة، لافتة إلى أنها اختبرت الصوم في رمضان وأن الإفطار تجربة مميزة يعيشها الناس معاً.

وتبدي المصوّرة إعجابها بكل ما تقدمه السعودية، من تناول ورق الموز المحشو في شوارع البطحاء المزدحمة إلى الاستمتاع بوجبة غداء لا تُنسى في مطعم Sociale أو "طوكيو". 

ولا تخفي توقها إلى زيارة أملج من أجل الاستمتاع بمشهد مياهها اللازوردية، كما تصف شعاب ينبع المرجانية بالفريدة. وبالحديث عن ساحل البحر الأحمر تقول: "زرت كثيراً من الشواطئ لكن ساحل البحر الأحمر يطل على المياه الأكثر روعة".

وتعبر نيري عن سعادتها بالإقامة في السعودية، لذا لا تنتهي حكاياتها كلما أرادت التحدث عن تجاربها، إذ تنتقل من متعة القيادة في الصحراء، إلى منظر السماء الصافية، الكثبان الرملية الحمراء، وتختم بأن الانتقال إلى السعودية كان أفضل قراراتها.     


جوشوا فان ألستين: رحلة مدى الحياة

كان جوشوا بعيداً كل البعد عن المملكة العربية السعودية وأجوائها وعاداتها حين كان يسافر متنقلاً بين مسقط رأس والدته في تركيا والولايات المتحدة الأميركية حيث خدم والده في صفوف القوات الجوية. ولم يكن يعلم أن المقطع الذي نشره على يوتيوب والذي يدعو من خلاله إلى فهم أفضل للإسلام سيلفت أنظار أبناء المملكة وسيجعله محط اهتمام قادة البلاد أيضاً.

حين كان في الـ22 من عمره، قصد جوشوا السعودية بمفرده، واليوم بات يحظى بكثير من المتابعة في العالم العربي. وهو يشتهر بتحدثه العربية باللهجة السعودية وبارتدائه الملابس العربية التقليدية. بالفعل، لقد أصبح جوشوا، المعروف أيضاً باسم أبو متعب، من الشخصيات التي تحظى بشهرة افتراضية واسعة، علماً أن التعليقات التي ينشرها تنطوي على كثير من الفكاهة.

وإذ يتحدث عن تجربته السعودية، يقول المؤسس الشريك للجمعية السعودية للنباتات: "لقد تعلمت كل شيء... اللغة، طرق اللباس، حس الفكاهة، أو سمّه ما شئت. وهو أمر أفخر به بشدة، كما أفخر بأنني أتقنت كل ذلك بدعم من عائلتي السعودية الكبرى.

ولا بد من الإشارة إلى أن جوشوا عاش، خلال السنوات الست الأولى، بعد انتقاله إلى المملكة في العام 2012، في منزل أسرة سعودية تقليدية، متواضعة ومعطاءة إلى حد كبير، على حد وصفه.  

ويذكر أنه لم يتفاعل حينها مع وافدين غربيين ويتابع: "كانت المجتمعات في تلك المرحلة منفصلة بعضها عن بعض بشكل واضح، ونادراً ما كان الوافدون الغربيون يتجولون في الرياض كما يفعلون راهناً. لذا، لم تتقاطع طرقنا".

يقيم جوشوا حالياً في الدرعية ويخطط للبقاء في المملكة. فهو يشير إلى أنها تقدم كل شيء للجميع،  من المناظر الرائعة مثل مشهد غروب الشمس في العلا، إلى سباقات الخيول الحماسية، ويقول: "يستضيف البلد عدداً من المناسبات التراثية والفعاليات الترفيهية على مدار العام، وأنا أدعو الجميع لزيارة الدرعية التي تتسم بثقافتها النجدية وقصورها القديمة. هي بالفعل إحدى جواهر المملكة الخفية".

وتعبيراً عن إعجابه بالحياة في السعودية يضيف: "ما أحبه هنا هو أنه ليس علي التفكير بكثير من الأمور التي كانت تُسبب شعوري بالقلق في الولايات المتحدة الأميركية. أشعر في السعودية باطمئنان لم أختبره في أي مكان آخر. فهي موطن الأفكار المتنوعة، هي بلد متواضع لكنها تتسم بالفخامة في آن، هي هادئة لكنها حافلة بالنشاطات والمفاجآت، قديمة جداً، لكنها ما زالت في الثلاثين من عمرها، علماً أن جيل الشباب يشكل جزءًا مهماً من التركيبة السكانية للبلاد".

عاش جوشوا في المملكة تجارب فريدة جعلته يتحول إلى جزء من حياتها لسنوات مقبلة، وهو يدعو كل زائر إلى التفاعل مع روح الدعابة التي يُشتهر بها السكان الأصليون العاشقون للمرح، فيقول: "لم ألتقِ أشخاصاً يعشقون الضحك والابتسام كما هي حال السعوديين".