72 ساعة في مدريد: الطريق إلى الجمال!

72 ساعة في مدريد: الطريق إلى الجمال!

كن متأكداً، بأن 72 ساعة لن تكون كافيةً أبداً لتجربة كل ما يمكن أن تقدمه لك مدينة مدريد الإسبانية
20 مايو 24
Share

لا شك في أنّك تحب السفر، ومَن منا لا يفعل؟! لكن لا شك في أن لكلّ مسافر أسبابه ودوافعه الخاصة. فقد تكون مثلاً من الأشخاص الذين يبحثون عن مطاعم جديدة، أو عن ثقافات مختلفة، أو عن مغامرات لا مثيل لها، أو عن جولات لا تُنسى بين المتاجر، أو ربما عن كل ذلك وأكثر. أياً يكن خيارك، إعلم أنّك ستجد ما تبحث عنه في عاصمة إسبانيا، مدريد، المدينة القديمة الخضراء المحاطة بسور من المناطق الريفية الخلابة. فلا تتردد في حجز مكان لك في ربوعها، لكن تأكد أن 72 ساعة قد لا تكون كافية لتستكشف كلّ خفاياها ولتكتشف كل معالمها وتجرّب كل خياراتها.

يمكن وصف مدريد بأنها مدينة متعددة الطبقات، لذا قد يفوق ما ستراه فيها كل توقعاتك. فلنبدأ الحكاية من واقعها التاريخي، وكما سبق وذكرنا، هي مدينة قديمة، تم بناؤها في العام 860 قبل الميلاد. لذا، لا يمكن الزوار إلا أن يبدوا دهشتهم أمام روعة عجائبها المعمارية. إلا أنها في المقابل مدينة متطورة وموطن لمشهد الضيافة الأكثر إثارة للاهتمام في أوروبا.

وتعتبر مدريد أيضاً من الوجهات الأكثر خضرة في العالم، إذ يقع نحو 55% من شوارعها وسط الأشجار (تشير الإحصاءات إلى أنها تضم 20 شجرة مقابل كل فرد من سكانها). بل أكثر من ذلك، تعدّ العاصمة الإسبانية مركزاً لكل الطرق الرئيسية في البلاد. واللافت أنها تعج بمتاجر العلامات والمصممين الأكثر شهرة، المطاعم العالمية، والمقاهي، وتشكل خلفية رائعة لمشهد فنيّ خلاب. وعلى بعد 20 دقيقة بالسيارة عنها، وسط المناظر الريفية الهادئة، يقع العديد من مرافق التراث العالمي التابعة لليونيسكو، القلاع، حقول الورد، سلاسل الجبال وغيرها. إذاً لا بد لك من التخطيط جيداً لهذه الرحلة لتتمكن من الاستفادة من كل لحظة تعيشها في هذه المدينة الجذابة والعريقة.

اليوم الأول

إختر مكان إقامتك

كما ذكرنا سابقاً، يشهد عالم الضيافة في مدريد راهناً  ازدهاراً كبيراً، إذ باتت تضم ما يقرب من 30 فندقاً افتتحت في الصيف الماضي أو ما زالت قيد التجديد. وقد حققت زيادة بنسبة 50% في عدد الغرف مقارنة بما كانت عليه حالها قبل نحو 10 سنوات. وسواء كنت تبحث عن أماكن إقامة تروي قصصاً تاريخية من خلال أجنحتها أو غرفها التي تشبه المعارض الفنية، أو تفضل اختيار مكان هادئ يتيح لك أن تنعم بنوم هانئ، تذكر دائماً أن المدينة الإسبانية حافلة بالخيارات المتنوعة. ففي العام 2020، تم افتتاح فندق فورسيزونز مدريد، وهو يشغل مساحة سبعة أبنية تقع في سنترو كناليخاس، أو المبنى الضخم الذي يضم حالياً مركز التسوق الصغير، غاليريا كناليخاس، ومركز العناية الصحي الذي يعد الأكبر في العاصمة ويمتد على أربعة طوابق، فضلاً عن 1500 قطعة فنية محلية.

أما إذا كنت تريد الحجز في مكان سكني أنيق، فليس عليك سوى التوجه إلى فندق روزوود فيلا ماغنا، رمز سبعينيات القرن الماضي الذي تم تجديده وإعادة إطلاقه في العام 2021 والذي يقع في حيّ سالامنكا. وهنا يمكنك الإقامة في أحد المنازل الكائنة في الطابق التاسع، وهي أجنحة تتميز بتراس واسع وبإطلالات شاملة على مشاهد المدينة والجبال المحيطة. ولا تنسَ الخيارات الأخرى مثل فندق فينيكس غران ميليا، أو المعلم النيوكلاسيكي الكائن في وسط المدينة حيث يمكنك الاستمتاع بجلسة هادئة في بار كوكتيل آرت ديكو فينيكس الرائع، والاستماع إلى حكايات عن زوار هذا المكان من المشاهير مثل غريغوري بيك، ريتا هيوورث، ذا بيتلز، ودايفد بيكهام.

إقرأ أيضاً قمة الفخامة على الشاطئ الإسباني

جولة في المدينة

القصر الملكي الإسباني، المصدر: إنستغرام visita_madrid

كلما زرت مدينة ما، إحرص على التجول في شوارعها لتصبح أكثر قرباً منها. وهي حال مدريد، المدينة التي قد تكشف لك كل أسرارها في حال قمت بزيارتها سيراً على قدميك. ففي هذه الحال ستتمكن من الإحساس بذلك اللقاء والتفاعل بين أرضية الأمكنة وأشعة الشمس، الاستماع إلى الأصوات المختلفة، وتنشق الرائحة التي تنبعث من حقول القمح القريبة.

إذاً ابدأ نزهتك من وسط المدينة وانطلق إلى الأمام، وهكذا ستصل أولاً إلى بلازا مايور أو الساحة الرئيسية حيث يجتمع عادة عازفو الموسيقى والفنانون من أجل تناول وجبة مادرينيلو أو سندويتش كالاماري مقلي. لا بد لك أنت أيضاً من تجربة هذا الطعام اللذيذ في الشارع، ومن الاستمتاع بنكهاته المختلفة بأسعار معقولة. وليس عليك أن تفوت فرصة الانتقال إلى أحد الطرق الرئيسية في إسبانيا، بويرتا دل سول (أو بوابة الشمس). وبالطبع لن تنسَ الوقوف أمام رمز المدينة، أوسو إي مادرونو، أو تمثال الدب الذي يبدو وكأنه يأكل الثمر عن شجرة توت. وحتماً ستختار لاحقاً التوجه إلى القصر الملكي الذي يضم أكثر من 3000 غرفة، وستحرص على مشاهدة طريقة تبديل الحرس الذي يتم مرة كل أسبوعين. ولن تتردد في الذهاب إلى دار الأوبرا، تياترو ريال القريبة، التي تم الانتهاء من بنائها في العام 1850.

وبعد هذا ستقوم باتباع الطريق المؤدي إلى كاتدرائية ألمودينا التي استغرق تشييدها 114 عاماً (هنا يمكنك اكتشاف منصة المراقبة ميرادور دي لا كورنيسا الكائنة بين الكاتدرائية والقصر). ولن تكتمل جولتك من دون ذهابك إلى بلازا دي سيبيليس حيث ستبدي إعجابك بمشهد النافورة الرائع وبعمارة الأبنية المميزة. وأخيراً ستقودك خطاك إلى غران فيا، طريق التسوق الأكثر أهمية في مدريد لتصل إلى ساحة بلازا دي إسبانا المخصصة للمشاة والتي تبلغ مساحتها 70.000 متر مربع.

تناول الغداء لدى كازا بوتين

لن تصدق، لقد تم تأسيس مطعم كازا بوتين Casa Botin  في العام 1725! إذاً هو أقدم المطاعم العاملة في العالم. وما زال هذا المكان، حيث يُستخدم فرن قديم، يقدم أطباق المطبخ الإسباني التقليدي لضيوفه الذين يتوقون إلى تمضية الوقت وسط الجدران القديمة تماماً كما فعل مشاهير من أمثال إرنست همنغواي، غراهام غرين، وماريا دويناس. فإذا جلست إلى مائدة كازا بوتين، إحرص على تجربة طبق لحم الضأن المشوي على الطريقة القشتالية المميزة.  

تسوّق... تسوّق

يرى كثير من السياح أن حيّ باريو دو سالامنكا في مدريد بات الأكثر جذباً للزوار منذ إنشائه في أواخر القرن التاسع عشر. وهو يعجّ راهناً بالواجهات البراقة والمتاجر الأنيقة. ويعتبر شارع كالي خوسيه أورتيغا إي غاسيه من شوارعه الأكثر إثارة لاهتمام المتسوقين. لذا، تطلق عليه صفة الميل الذهبي، وهو يقدم لهؤلاء خيارات الخياطة الراقية. ويُعد  شارع كالي دي سيرانو موطناً لمجموعة من العلامات الفاخرة مثل فيرساتشي، برادا، أرماني وغوتشي. أما الوجه الآخر لمدريد فيمكن التعرف عليه عند التوجه إلى مركز إيل كورتي إنغليس التجاري الذي يتيح لزواره عيش تجربة تسوق خاصة برفقة خبراء في عالم الموضة يقومون بتحليل أسلوب الزبائن وباختيار ما يناسبهم وما يضفي على مظهرهم كثيراً من الفخامة والرقي.

تناول العشاء في مطعم باكو رونسيرو

هل تريد أن تعيش تجربة عشاء فريدة في العاصمة الإسبانية مدريد؟ إذاً إحجز مكانك في مطعم باكو رونسيرو الحائز على نجمتي ميشلان. واحرص على اختيار إحدى طاولات التراس الصيفي. وهكذا ستتمكن من الاستمتاع بإطلالة حالمة على مناظر المدينة المذهلة وبنكهات لن تبرح ذاكرتك يوماً.

اليوم الثاني

جولة في الدير المدرج على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي

عليك التنقل على متن القطار لتتمكن من القيام بجولة حول أحد أكثر المباني الدينية في العالم روعة: دير سان لورينزو دو إل إسكوريال الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر والذي تبلغ مساحته 33.000 متر مربع. ويقع هذا الصرح التاريخي العريق في بلدة جبلية تحمل الإسم نفسه.

أما إذا أردت الشعور بالاسترخاء، فندعوك إلى استكشاف المشاهد الآسرة في غابة الصنوبر، ابنتوس، وفي منطقة لا هيرريريا، حيث يمكنك تأمل المنظر الساحر والإصغاء إلى أصوات الطيور المحمية مثل نقار الخشب المرقط الكبير.   

الجلوس في ساحة بُنيت في العصور الوسطى

تقع قرية شينشون على بعد ساعة بالسيارة عن مدريد. وهي تُشتهر بساحتها المركزية الرائعة، بلازا مايور دو شينشون، حيث تقوم المطاعم بتقديم الأطباق الإسبانية التقليدية، وحيث يتم تنظيم مصارعة الثيران (في أغسطس) وسوق العصور الوسطى (في أكتوبر). وتحتضن القرية الإسبانية أيضاً مطعم لا كازا دل بريغونيرا الذي يقدم خدماته في منزل قديم. وتشمل قائمته الموسمية أطباقاً تقليدية يتم تحضيرها مع إضافة لمسة عصرية إليها. إذاً لا تتردد في تناول غدائك هنا، واحرص بعد ذلك على استكشاف نواحي القرية الأخرى وبساتين الزيتون المنتشرة هنا وهناك.

العودة إلى المدينة في موعد العشاء

في حال عدت إلى قلب مدريد وشعرت بالجوع مساءً، تذكر أنه يمكنك الاستفادة من خبرات اثنين من طهاة المدينة الحائزين على نجمة ميشلان: الشيف كويكي داكوستا في مطعم ديسا الكائن في فندق ماندارين أورينتال ريتز والذي يعد أطباق البحر المتوسط المحضرة من مكونات محلية طازجة، أو الشيف داني غارسيا الذي يقدم إبداعاته التقليدية لضيوف مطعم داني براسري على تراس رائع على السطح في فندق فورسيزونز. 

اليوم الثالث

مشاهدة عجائب الفن

 لا يمكنك زيارة العاصمة الإسبانية من دون أن تتذوق روعة عجائبها الفنية والإبداعية. لذا، ندعوك إلى التوجه إلى شارع آرت ووك حيث يمكنك زيارة متحف ديل برادو الذي يضم بعض أكبر مجموعات اللوحات الفنية الإسبانية الموقعة من كبار الرسامين مثل دييغو فيلاسكيز وفرانشيسكو دي غويا (يمكنك أن تقصد المكان عند الساعة 5:00 بعد الظهر حيث سيُسمح لك بالقيام بجولة مجانية لمدة ساعتين). ولا تنسَ زيارة متحف رينا صوفيا لتشاهد بعضاً من أعمال أساطير الفن في القرن العشرين مثل سلفادور دالي وبابلو بيكاسو (لوحة غرنيكا الشهيرة).    

إلى اللقاء في سيبو

هل ترغب في تناول وجبة غداء غير عادية؟ إليك الحل السهل: إذهب مباشرة إلى مطعم سيبو الحائز على نجمة ميشلان والذي يتبع أساليب طهو بسيطة. فهنا يتم استخدام منتجات موسمية أساسية عالية الجودة لتحضير كل طبق. إذاً يمكنك اختيار أطباقك المفضلة من إحدى قائمتين: الكلاسيكية أو الموسمية.

تنزّه في أحد مواقع التراث العالمي في المدينة

هل تعلم أن منتزه ريتيرو في مدريد هو أحد الأماكن الأكثر إثارة للشعور بالمتعة على وجه الأرض؟ فهو يضم 15000 شجرة توفر الظل الكثيف للزائرين، نوافير منعشة، وبحيرة هادئة يتجول على صفحتها عدد كبير من طيور البجع. إنه بالفعل مكان مناسب جداً للباحثين عن السكينة. إذاً احرص على زيارته وقم بقيادة أحد المراكب بواسطة قدميك، استرخِ، تنشق الهواء العليل، تأمل المنظر المبهر، أو عجائب الهندسة المعمارية التي يتفرد بها القصر الزجاجي حيث تقام المعارض الفنية من دون توقف. ومع اقتراب موعد الغياب، لا تفوت فرصة زيارة باسيو دي لا لوز (أو ممشى النور). وهنا، يمكنك أن تشاهد الأشجار والمعالم الأثرية المضاءة بطريقة فنية راقية، وأن تراقب المنظر العام الذي يتميز بأجواء مثالية للتنزه أو لقضاء أمسية رومنسية.

أنهِ رحلتك مع الفلامنكو

في مطعم كورال دي لا موريريا الحائز على نجمة ميشلان، ستجد أربع طاولات فقط، لكن أيضاً مشاهد رقص الفلامنكو الإسباني الأكثر روعة. وفيما سيبهرك أداء الراقصين، المغنين، وعازفي الغيتار المدهش، سيقدم لك الشيف دافيد غارسيا كل ما تنتظره من نكهات.


إنها البداية فقط. فحين تزور مدريد ستشعر بالحيرة بسبب كثرة الخيارات وتنوعها، وقد تعمد إلى تمديد إقامتك لتكتشف الروح الحقيقية للعاصمة الإسبانية.

لتعرف عنها المزيد، إليك الرابط: https://onlyinmadrid.me/