الرحالة الهولندية ماكسيم زلتنريتش توثق جمال العلا والمملكة بعدستها

الرحالة الهولندية ماكسيم زلتنريتش توثق جمال العلا والمملكة بعدستها

مصورة فوتوغرافية هولندية تصف رحلتها إلى العلا والربع الخالي.
12 ديسمبر 23
Maxime Seltenrijch AlUla
Share

التقت مجلة LIST الرحالة الهولندية ماكسيم زلتنريتش وأجرت معها حواراً رائعاً تحدثت فيه عن مغامرات عاشتها في المملكة العربية السعودية withmaxime

الرحالة الهولندية ماكسيم زلتنريتش

لا ننسى أبداً رحلات قمنا بها من دون تخطيط مسبق. فهي عادة ما تكون الأكثر روعة. وهو ما أثبتته المصوّرة الهولندية ماكسيم زلتنرييتش التي وثقت بعدستها كثيراً من معالم المملكة التراثية والثقافية.

لا تشبه ماكسيم زلتنرييتش غيرها من المصوّرين، هواة السفر، والمستكشفين. والدليل على هذا أنها أتت إلى السعودية على متن يخت وقامت برحلة حافلة بالمفاجآت. في الواقع، كانت هذه المغامرة وليدة الصدفة، وبدأت حين كانت المصوّرة تقوم بمهمة روتينية قادتها إلى أرض الجزر الساحرة في البحر الأحمر. وقد أثارت هذه الرحلة فضولها ودفعتها إلى طرح أسئلة تتعلق بالبلد ثم إلى استكشاف صحراء الربع الخالي برفقة البدو الرحّل. وشعرت بمتعة حقيقية عند اكتشافها التراث السعودي والمشهد الأثري في العلا.

إلا أن زيارتها التمهيدية للسعودية لم تكن مجرّد تجربة عادية، بل شكلت مقدمة لرحلات أخرى قامت بها إليها، وحقبة جديدة مهمة في مسيرتها  كمصوّرة فوتوغرافية. وهكذا انطلقت في رحلتها الاستكشافية الأولى إلى قلب المملكة. وهي تقوم منذ ذلك الحين بتوثيق إرثها الغني، وبتشارك جمالها وحكاياتها مع متابعيها عبر العالم. فلنرافقها إذاً إلى حيث قامت بالتقاط أروع الصور في الربع الخالي قبل أن تركّز اهتمامها على العلا وأهلها.

من البحر إلى الصحراء

شغلت ماكسيم، الحائزة على شهادة في إدارة المطاعم والفنادق من جامعة Hotelschool The Hague الهولندية، وظيفة مصوّرة فوتوغرافية على متن يخت. وإذ تتحدث عن هذه التجربة تقول: "يبحر هذا اليخت عادة عبر البحر المتوسط والبحر الكاريبي فقط. وبعد انتهاء موسم الإبحار عبر الكاريبي، كان علينا الانتقال إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد وصلنا إلى سواحل نيس الفرنسية، وبعد ذلك أُبلغنا فجأة أنه تم إلغاء كل الحجوزات وأنه سيتم التوجه في اليوم التالي إلى السعودية".

وبعد هذا التغيير المفاجئ في برنامج الرحلة، سافرت ماكسيم وفريق اليخت لمدة خمسة أيام عبر قناة السويس، مروراً بمصر. وأخيراً وصلوا إلى السعودية، وحينها قاموا بالإبحار حول جزر البحر الأحمر لمدة أربعة أشهر، لكن من دون أن يتمكنوا من العبور إلى أرضها. ورغم هذا كانت المصوّرة تسعى خلال أوقات فراغها إلى جمع معلومات عن المملكة، وهو ما شجعها عليه بعض ضيوف اليخت.

وهي توضح هذا بقولها: "أردت معرفة المزيد عن هذا البلد وقرأت كثيراً من الكتب في هذا الصدد. ومنها كتاب "الرمال العربية" لولفريد ثيسيجر الذي شجعني على القيام بأولى رحلاتي إلى السعودية. وهو يتحدث عن مسافر أراد استكشاف صحراء الربع الخالي إلى حيث ذهبت في العام 2019".  

إلى الربع الخالي

تصف ماكسيم رحلتها إلى الربع الخالي بالمذهلة وتضيف: "كانت رحلة رائعة. وقد تولّت إرشادي خلالها مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون حياة شبه بدوية". وتشير المصورة البالغة الـ32 عاماً، إلى أن هؤلاء يمضون فصل الشتاء في المنطقة حيث تنتقل قطعانهم من مرعى إلى آخر، وأنهم يعيشون صيفاً في مساكن بنيت خارج الصحراء. وتتابع: "رافقوني في رحلتي إلى قلب الصحراء حيث قمنا بزيارة أروع نواحيها. كانت تلك تجربة حقيقية تمكنت من عيشها برفقة بدو حقيقيين. وهي جعلتني أبدي مزيداً من الارتباط بالمملكة وشكلت منعطفاً مهماً في حياتي". 

سحر الثقافة والتراث

منذ رحلتها الأولى إلى المملكة، باتت ماكسيم تبدي شغفاً بثقافتها الغنية وتراثها العريق، وهو ما ظهر من خلال الصور التي التقطتها. في الواقع، شكلت هذه الزيارة علامة فارقة في مسيرتها المهنية ودفعتها إلى تكريس السنوات الخمس اللاحقة من حياتها لتوثيق تفاصيل التراث السعودي.

أعجبتها حياة الناس العفوية، الفطرية إلى حد ما، إذ لاحظت مثلاً أن أفراد القبائل، ومنهم أبناء عائلة المنهالي الذين يقيمون في المناطق الداخلية من السعودية، يعيشون حياة لم تتغير كثيراً منذ قرون، رغم أنهم باتوا يمتلكون السيارات ويستخدمون الهواتف الجوالة ويقيمون في المنازل. كما رأت أن هؤلاء يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بتقاليدهم وبطريقة عيشهم، وأنهم يفخرون بتراثهم ويحرصون على إظهاره للسيّاح.

وتعلق على هذا بالإشارة إلى أن هذا الجانب المتأصل في الثقافة السعودية يتعارض مع عدم الارتباط بالتراث والتقاليد السائد في البلدان الأوروبية. ولم تتبدّل وجهة نظرها هذه بعد تجوالها في العلا الأكثر اتصالاً بالحياة الحضرية المتطورة. فقد رأت هناك أن السكان المحليين يفخرون أيضاً بعاداتهم وتراثهم، فيرتدون مثلاً الملابس التقليدية للاحتفاء بها.   

ولعلّ عمل ماكسيم في برامج تلفزيونية وثقت تاريخ الجزيرة العربية، مثل "على خطى العرب"، هو ما ساهم في تزايد اهتمامها بشعب المملكة، بثقافته، تاريخه، وآثاره.

وهذا ما تشير إليه الشابة المتخصصة في مجال التواصل الاجتماعي وتخطيط الرحلات بقولها: "يتركّز اهتمامي على القصص التراثية. وأشدد على أن التراث الطبيعي يؤثر إلى حد كبير على التراث الثقافي، كما أن التراث الثقافي يؤثر على التراث الأثري لبلد ما. لذا، أقوم، قبل سفري إلى أي مكان، بالبحث والقراءة من أجل التعرف على وجهتي عن طريق الكتب والدراسات. وقد أتحدث إلى بعض الأشخاص الذين اختبروا تجربة مماثلة. فمن المهم برأيي كمصورة فوتوغرافية أن أقدّم قصة تثير اهتمام الجميع".

روعة العلا

لا تتردد ماكسيم في الثناء على جمال المناظر الطبيعية والتاريخية في السعودية، فتطلق عليها صفة "جنة المصورين". وتتحدث عن العلا مشيرة إلى أنها من المواقع الأكثر سحراً على وجه الأرض، وأنها موطن لكثير من المشاهد الآسرة والمواقع الأثرية الرائعة. وتذكر في هذا السياق موقع الحِجر الأثري والمنازل المدهشة المبنية من الطين في البلدة القديمة، لافتة إلى أن العلا تقدّم عدداً لا يُحصى من الصور الرائعة.

وتعبيراً عن إعجابها الشديد بالمنطقة تقول: "حين أتيت إلى السعودية، قررت أن العلا هي المكان الآخر الذي سأقوم بزيارته بعد الربع الخالي. والسبب؟ لأنها، ببساطة، جميلة جداً".

وحين تسأل المصوّرة عن المنظر الطبيعي المفضل لديها في العلا تجيب: "الواحة هي مكاني المفضل. هناك تشعر بأنك تعيش فعلاً في الصحراء. فمن الرائع أن تمضي وقتك في هذا المكان الأخضر وأنت تشاهد الطيور وهي تحلق في المحيط وتستمع إلى أصوات الطبيعة والماء. لقد فعلت هذا وشعرت براحة لا حدود لها. المكان رائع حقاً، فهو يضم آلاف وآلاف أشجار النخيل. واللافت أنه يتميز بتنوع الخلفيات. إنه موقع مدهش". 

وتشير ماكسيم إلى أنها قامت بتصوير العديد من الفعاليات التي أقيمت في العلا، وتتذكر مثلاً مسابقة كأس العلا للهجن: "أثار هذا الحدث اهتمامي، فقد لاحظت أنه تم تطوير المنطقة والتخطيط لإقامة نشاطات مختلفة يمكن السكان المحليين المشاركة فيها. وقد التقطت صوراً للإبل المشاركة في السباق. وتميّز الحدث بحضور عدد كبير من السعوديين. كانت تجربة ممتعة حقاً. وأنا أحب الإبل عموماً، ولاحظت أنه يتم التعامل معها في السعودية بطريقة مميزة. في الواقع، شكل هذا الحدث التجاري مناسبة للاحتفاء بالتراث السعودي".  

حفاوة الترحيب

بعد زيارتها العلا، تتذكر ماكسيم الكثير عن تقاليد السعودية ومعالمها، كما أنها لا تنسى أبداً ترحيب الناس بها. فقد زارت المدينة الصحراوية خلال شهر رمضان، وذات يوم توجهت إلى أحد المتاجر مرتدية سروال النوم، وشعرت بدفء المجتمع المحلي: "كان الأطفال يلعبون في الخارج مع الجراء، وقد توجهت نحوهم وألقيت التحية عليهم، فدعتني امرأة إلى منزلها، وبالفعل لبيت الدعوة وأمضيت هناك نحو خمس ساعات".  

وتروي الشابة أنها جلست في البداية برفقة المرأة، مشيرة إلى أن نساء العائلة انضممن إلى الجلسة تباعاً: "لقد قمنا بوضع مكياجنا، برشّ عطورنا، وبالاهتمام بأظافرنا"، تقول مضيفة أنهن استمتعن بعد ذلك بتناول الحلويات، والأطباق اللذيذة. وتذكر أنها تعرفت، أثناء هذه الجلسة، على ثقافة المجتمع المحلي وفهمت ما يُقال رغم أنها لا تتقن اللغة. فقلوب الناس هي التي تتحدث هنا، تقول وتتابع: "أعتقد أن هذا يظهر روحية الشعب السعودي. فالسكان يتوقون إلى لقاء الغرباء وإلى استعراض جمال ثقافتهم وتقاليدهم".   

تسعى ماكسيم إلى توضيح الصورة النمطية الخاطئة المتعلقة بالمنطقة، لذا تحرص على استبدالها بصورة إيجابية من خلال إبراز تراث السعودية ورواية قصص رائعة عنها عبر موقعها الإلكتروني Arabian Moments. وفي هذا السياق تقول: "أشعر بصدمة حقيقية حين يبدي الناس في هولندا ردود فعل سلبية لدى ذكر السعودية. وفي المقابل أشعر بسعادة كبيرة لأنني أساهم في تغيير المشهد. فقد لاحظت أن كثراً لا يعرفون المملكة. لذا، أعمل على إظهار مميزاتها. فهي مهد أقدم حضارات العالم، وفي مرحلة الانفتاح هذه بات من الممكن زيارتها واستشكافها".  

لا بدّ من الإشارة في الختام إلى أن أكثر الرحلات روعة هي تلك التي تقوم بها من دون تخطيط مسبق. فهي تشكل في هذه الحالة هدية غير متوقعة، ويبقى عليك أن تعرف كيفية تقديرها، كما فعلت ماكسيم. فإذا كنت تتوق إلى استكشاف تراث السعودية وثقافتها، ليس عليك سوى قراءة هذه النصيحة التي تقدمها لك المصورة: "توجه إلى كل مكان بعقل منفتح. ورغم أن كثيراً من أبناء الغرب يتأثرون بما يُنشر عبر وسائل الإعلام وبأحكام يطلقها آخرون، أؤكد أن المملكة تحتضن عدداً لا يُحصى من الكنوز التي يمكن اكتشافها".     

@withmaxime