خطى على درب باسيفيك كريست

سبع حدائق وطنية، خمس محميات، 25 غابة، 33 منطقة برية، 2650 ميلاً، هي المساحات التي تعين على محترفي المشي لمسافات طويلة عبورها لاجتياز أحد أطول مسارات الهايكنغ على وجه الأرض، أي درب باسيفيك كريست.

ومن هؤلاء السعودية هيا السماري والكويتية فَيْ العمران اللتان قررتا القيام بهذه الرحلة الرائعة. وقد انطلقتا لهذه الغاية من الحدود المكسيكية وعبرتا كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن قبل أن تصلا مع آخرين إلى كندا. وتمكنت الشابتان من اجتياز هذه المسافة خلال أربعة أشهر و19 يوماً فقط، مدعومتين من منصة تمكين المرأة "خلف العباية". 

وتضمن برنامج رحلتهما اليومي الاستيقاظ في الصباح الباكر، توضيب معدات التخييم، السير لساعات عدة (تتخللها فترات استراحة قصيرة)، البحث عن مصادر للمياه، والتخييم مجدداً مع حلول المساء ثم تناول العشاء برفقة أصدقاء الرحلة قبل الخلود إلى النوم. وإلى جانب هذا الروتين، كان لا بد للرحالة من خوض بعض التحديات وتعلم بعض الدروس. ولنعرف المزيد عن هذه التجربة الاستثنائية، تحدثنا إلى هيا وفَيْ اللتين روتا كثيراً من تفاصيل هذه المغامرة.

هيا السماري

هي رحّالة رقمية ومغامرة محبة للسفر، اشتهرت من خلال مشاركتها في تقديم برنامج "وين الحين" wainalheen@ (على شاشة MBC1)

الفكرة

في العام 2015 قامت هيا بأولى رحلات الهايكنغ، وقبل أخذ قرارها، شعرت بالتردد وبعدم الثقة بقدراتها. إلا أن شعورها هذا تبدد بعدما تمكنت من السير في الغابات الكثيفة، تسلق الجبال الشاهقة، واجتياز الأنهار المتدفقة. حينها أدركت أن ما تمكنت من تحقيقه فاق حدود توقعاتها.

وإذ تتحدث عن تجربتها تقول: "في العام 2022، وبعد مرور عامين على خضوعي لعملية جراحية في الظهر، شعرت بالرغبة في خوض مغامرة لأحتفل بتحرري من الألم".

وتشير إلى أن المشي لمسافات طويلة أتاح لها التواصل العميق مع الطبيعة، تعزيز طاقاتها الذهنية والجسدية وثقتها بنفسها وقدرتها على الاعتماد على ذاتها وعلى القيام بالإنجازات، فضلاً عن لقاء أشخاص يعيشون الأجواء نفسها.

التحديات

حين تتحدث عن التحديات التي واجهتها أثناء مشاركتها في رحلة مسار باسيفيك كريست، تذكر هيا الجزء الخاص  بأوريغون. وتعيد مهندسة النظم السابقة في شركة أرامكو السعودية ذلك إلى انتشار البعوض: "حوّلت أصوات الناموس المزعجة ولسعاته كل خطوة إلى ما يشبه المعركة".  

حينها شعرت هيا بأن هذه الحشرات لا تمتص دمها فقط، بل روحها أيضاً. لذا شكّكت في صوابية قرار مشاركتها في الرحلة وفي قدراتها، وكادت تعلن استسلامها.

وتبرر هيا ذلك بقولها: "يبدو أنه لا يمكننا السيطرة على الطبيعة، فهي تذكرنا دائماً بأننا نشكل جزءًا صغيراً من نظام بيئي كبير. ورغم هذا يمكننا أن نختار كيفية تفاعلنا وتكيفنا وتعايشنا معها".

الاتصال بالطبيعة

"أن تقوم برحلة هايكنغ بمفردك، يعني أن تتيح لكل حواسك فرصة التفاعل مع التجربة. فأنت تسمع وترى كل شيء بل تشعر بكل شيء. وهكذا تصبح أكثر ارتباطاً باللحظة الراهنة".

هكذا تجد هيا تفسيراً عميقاً لتجربة المشي لمسافات طويلة، قبل أن تتحدث عن تأثيرها المادي. وتشير في هذا السياق إلى أنها كانت، في أثناء الرحلة، تخلد إلى الراحة داخل خيمتها مع انقضاء النهار وتقوم بتدليك قدميها مستخدمة مرهماً مسكناً يحتوي على خلاصة الأعشاب، قبل أن تستلقي وتشاهد غروب الشمس أو تراقب النجوم ثم تنام.

وتشرح أن رحلة مسار باسيفيك كريست شكلت حدثاً غير عادي بالنسبة إليها، لافتة إلى أنها اتبعت في هذا الإطار قاعدة "لا تترك أي أثر" التي تهدف إلى عدم المساس بالطبيعة. وهو ما توضحه بقولها: "يتضح هذا من خلال المقارنة بين مناطق التنزه القريبة من المدينة والتي تستقبل عدداً كبيراً من الزوار، وتلك البعيدة التي يصعب الوصول إليها".

الإنجازات

حين تسأل هيا عن الإنجازات التي تحققها من خلال مشاركتها في رحلات الهايكنغ، تجيب: "أشعر بالبهجة والذهول أمام جمال الطبيعة والتحديات التي يفرضها كل مسار. ففي هذه الحال، تُشعرني كل خطوة أقوم بها بأنني حققت إنجازاً ما وتواصلت مع البيئة المحيطة".

وتلفت إلى أن تشارك القصص، النصائح وحتى الضحك مع زملائها الرحالة يحوّل تفاصيل الرحلة إلى ذكريات لا تُنسى. إلا أن الأمر لا يتعلق فقط بالذكريات بالنسبة إلى هيا، بل بالتواصل مع الطبيعة، بتمكين الذات واستكشافها وبتحديث النظرة إلى الحياة أيضاً.

وتذكر السماري، التي عملت سابقاً مرشدة لدى شركة السفر والمغامرات Husaak Adventures، أنّ موجة من الانفعالات أغرقت قلبها وعقلها أثناء اجتيازها الـ16 كيلومتراً الأخيرة على مسار باسيفيك كريست. حينها ودّعت الأمكنة على طريقتها الخاصة، وتوقفت أمام كل مصدر مائي معبرة عن شعورها بالامتنان، واختبرت حالة روحانية عميقة. 

نصائح

لم يكن قضاء الوقت بعيداً عن العائلة والأصدقاء سهلاً بالنسبة إلى هيا، بل شكل هذا تحدياً كبيراً كان عليها مواجهته. وإذ تتحدث عن المصاعب التي تفرضها رحلة الهايكنغ تقول: "يصبح اتباع الروتين اليومي أمراً مرهقاً على المستوى الذهني، فهو يتطلب كثيراً من الانضباط والمرونة اللذين يساعدان على تعزيز الحماس والتركيز".

وفي مقابل ذلك شكلت مراقبة شروق الشمس وغروبها، التعرف على الحياة البرية المتنوعة، والهدوء الذي تتميز به المواقع الطبيعية، بالنسبة إليها، فرصة مهمة للتأمل والابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية.

وفي هذا السياق، تقدم الرحالة الشابة بعض النصائح إلى متابعيها فتقول: "تذكر أن كلاً منا ينطلق كمبتدئ، وأن كل رحالة محترف كان في البدء هاوياً. واعلم أن الهايكنغ هو رحلة تمكين ذاتي واستكشاف، لا منافسة أو سباق".

كما تدعو المغامرين إلى التحقق من حالة الطقس وحالة المسار قبل الانطلاق. وتشير إلى ضرورة وضعهم خطة احتياطية في ما يتعلق بالطعام والإمدادات، فضلاً عن أهمية استخدام نظام تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية الذي يمكن اللجوء إليه في حالات الطوارئ.  

@mykindoffridays

فَيْ العمران

هي منتجة ومحبة لاستكشاف المسارات وركوب الأمواج، تُشتهر من خلال قناتها الخاصة ذات الطابع الاجتماعي abaih.world @

الفكرة

اكتشفت "فَيْ" التي عملت منسقة إنتاج وحصلت على شهادة في الفن والتصميم من جامعة إميلي كار الكندية، شغفها بالسير في الهواء الطلق في سن مبكرة.

وهذا ما تشير إليه بقولها: "لطالما أحببت الطبيعة. وحين بدأت القيام برحلات الهايكنغ والتخييم، عرفت أن التواصل مع الطبيعة يمنحني الهدوء، يُشعرني بالتماسك ويساعدني على تجديد نشاطي".

وتضيف أنها أبدت لاحقاً تعلقاً شديداً بالهايكنغ، قبل أن يتحول هذا الأمر بالنسبة إليها إلى حب لاستكشاف عوالم جديدة وللابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية: "في بعض الأحيان قد تكتفي باتباع المسار، فتفقد المعنى الحقيقي للمغامرة، بل قد ينتهي بك الأمر بالمشي من دون أن تشعر بروعة المشهد الذي يحيط بك".

التحديات

في أثناء مشاركتها في مسار باسيفيك كريست، تعين على فَيْ أن تشجع نفسها، بين الحين والآخر، على مواصلة المشي. فقد كان عليها التمتع بالقوة والإصرار، سواء كانت تسير على حافة جرف، أو تشعر بالإرهاق بسبب المشي لمسافة طويلة، أو بالملل. وكان عليها أن تتذكر أن كلاً من هذه المواقف مؤقت. لذا، حرصت على الاستمتاع باللحظات العابرة وعلى قبول التحدي.

الاتصال بالطبيعة

ترى فَيْ أن السير لمسافات طويلة مع مجموعة من الأشخاص يُعد إحدى أفضل الطرق لتمضية الوقت وإقامة صلات عميقة مع الآخرين، وتشير إلى أن التواصل يصبح ضرورياً عند مواجهة المخاطر: "في بعض الأحيان تتلقى التشجيع من الأشخاص المحيطين بك، إذ يدفعونك إلى مواصلة السير وقد يمنعون تعرضك لحادث ما".

وتشدد العمران على أهمية السير لمسافات طويلة من دون مرافقة، لأن هذا يشكل برأيها نوعاً من التأمل، ويساعد على التخلص من الضغوط، ويمكّن الذهن من الغوص إلى عمق الأفكار.

وفي السياق نفسه تذكر أنها اختبأت يوماً في ظل شجرة جوشوا عملاقة في الصحراء، في انتظار انخفاض درجة الحرارة، وأنها نظرت إلى محيطها لتشاهد نباتات رائعة تنمو في المكان منذ سنوات: "لاحظت أن هذه النباتات لا تنمو في بيئة قاسية وحسب، بل تزهر وتتعايش مع النظام البيئي المحيط بها أيضاً".

إنجازات

تعرب فَي عن شعورها بالفخر تجاه الإنجازات التي حققتها، وتضيف: "أشعر بالفخر، ليس لأنني تمكنت من تحقيق حلمي فحسب، بل لأنني أرى تأثير ذلك على الآخرين، وهو هدف سعيت إلى تحقيقه دائماً. لقد فعلت ذلك، ويمكن أياً منا أن يفعل ذلك".

وهي تأمل أن تدفع تجربتها أشخاصاً آخرين من منطقتها إلى القيام بمغامرة مماثلة، مع ما ينطوي عليه هذا من فوائد، لافتة إلى أن السير لمسافات طويلة قد يتحول إلى نشاط يمكن الجميع القيام به: "يجعلك الهايكنغ أكثر قدرة على الانسجام مع أفكارك الداخلية، وعلى التركيز، كما أنه يعزز صحتك الذهنية".

نصائح

وحين تتحدث عن المصاعب التي واجهتها في أثناء مشاركتها في هايكنغ باسيفيك كريست، تشير الرحالة إلى طول المسار، كما إلى قضائها كل تلك الأيام بعيداً عن عائلتها. إلا أنها تعدد بعض الإيجابيات، ومنها قدرتها على الانضباط وتصميمها على تحقيق الهدف من خلال قيامها بالخطوات اللازمة.

لذا تنصح الجميع بالقيام برحلات الهايكنغ وتقول: "قم برحلتك الخاصة، على طريقتك الخاصة. لا تخجل من الشعور بالتعب، أو الملل، بسبب طول المسار أو الروتين أو غير ذلك، واحرص دائماً على الاستمتاع برحلتك".

@laughwithfai