جولة مع غادة الحارثي في أحياء لندن

جولة مع غادة الحارثي في أحياء لندن

ترافقنا الأستاذة المحاضرة والمستشارة الثقافية والأكاديمية السعودية، الدكتورة غادة الحارثي، في جولة على وجهات تفضلها في العاصمة البريطانية
23 نوفمبر 23
Ghadah Alharti's London Guide Image source: Rob Greig
Share

"لندن، هي المدينة التي تغذي الإبداع والطموح"، تقول غادة الحارثي، الأستاذة المتخصصة في الإبداع والابتكار والثقافة والمحاضرة المشاركة في جامعة سنترال سانت مارتينز اللندنية للفنون. وتضيف في وصف العاصمة البريطانية: " تتيح هذه المدينة الوصول إلى كنز معرفي والتعايش مع مجتمع نابض بالحياة".

بعد وصولها إلى مدينة الضباب لمتابعة دراستها منذ أكثر من عقد من الزمن، حرصت غادة على بناء شبكة علاقات خاصة مع عدد من المبدعين. وهي تسعى راهناً إلى تنفيذ مشروعها الحلم الذي يقضي بتقديم الدعم لهؤلاء، كما ببناء الجسور بين المشاريع الثقافية المحلية والعالمية المختلفة.

وإذ تتحدث عن مسيرتها تقول: "قمت خلال مسيرتي بالتعاون مع عدد من المؤسسات الحيوية، مثل الأكاديمية الملكية للفنون، متحف فيكتوريا وألبرت، وركن المعرفة (أو حي المعرفة، وهو مساحة صغيرة تضم أبنية شركات ومؤسسات علمية وتقنية رائدة وتقع وسط تقاطع كينغ كروس وطريق يوستن وبلومبزبري)، وهو مركز لأكبر مرافق المعرفة في العالم، ومنها المكان حيث أقوم بمهمة التدريس".

 تعتبر لندن، بالنسبة إلى غادة، مكاناً ملهماً ومحفزاً على المستوى الفكري: "هي تمثل ما يمكن أن نسميه ثقافة الممكن، أي أنها تتيح استكشاف كل الثقافات"، تقول مشيرة إلى أن إمكانية العبور من لندن إلى سائر أنحاء أوروبا يجعل المدينة أكثر جاذبية. وإذ تلفت إلى أن العاصمة البريطانية هي المكان الأفضل لتحقيق التطور المهني وبناء شبكة من العلاقات المهمة، تتابع: "لكن تحقيق النجاح والتفوق في مجال عملك هو أحد التحديات الصعبة التي يمكن مواجهتها هنا".

في الواقع، شهدت غادة التغييرات، الإيجابية والسلبية، التي طرأت على المدينة خلال سنوات إقامتها فيها. وإذ تذكر مثالاً على ذلك، تشير إلى التحديات الاقتصادية التي واجهتها البلاد مؤخراً والتي أظهرت مرونة مثيرة للإعجاب في أوساط المجتمع.

ورغم أنها تعيش بعيداً عن السعودية، ما زالت غادة تسترشد بالحكمة التي استمدتها من وسطها العائلي. وهو ما يتضح من خلال قولها: "منذ سنوات عمري الأولى، كانوا يكررون على مسمعي القول: لا تجعلي تفكيرك يتوقف عند حدود تحقيق النجاح في مجال عملك على المستوى المحلي، فكري بالنجاح العالمي". وتشعر غادة اليوم بتأثير هذا الشعار على حياتها، حيث تخوض منافسة مع العالم في قلب لندن التي تتميز بالتنوع الاجتماعي. وترى أن المستقبل يظهر من خلال المشهد المتجدد في المدينة: "رغم أنني أعيش هنا منذ سنوات عدة، ما زلت أبدي إعجابي الشديد بجمال المدينة المعماري".

جمال الهندسة المعمارية

كول دروبس (تصوير روب غريغ)

تنصح غادة بشدة الراغبين في زيارة لندن بالتوجه إلى مركز كول دروبس يارد، الكائن في الجزء الشمالي من المدينة، على مقربة من سنترال سانت مارتينز، وتقول: "في هذا الجزء من كينغز كروس يحدث اللقاء الجميل بين الابتكار والثقافة المحلية. يشبه هذا المكان، إلى حد ما، مبنى سامسونغ الذي تولى تصميمه استديو هيذرويك. ويُشتهر هذا الاستديو بتجديده مخازن لندن الفكتورية وبالمساهمة في تصميم حافلات العاصمة الحمراء الشهيرة. أما كول دروبس يارد فهو نموذج الهندسة المعمارية المتطورة التي تتبع مفهوم الاستدامة في التصميم".  

من خلال عملها في مجال التدريس، تحرص الحارثي دائماً على تسليط الضوء على مشاريع واقعية تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما تشدد على أهمية الدور الذي يؤديه التصميم في مجال تطبيق السياسات الهادفة إلى حماية البيئة، مشيرة إلى معايير بناء المدن المستقبلية ولافتة إلى أن مركز كول دروبس يارد هو أحد المرافق التي تحترم تلك المعايير.     

خاص عشاق الطعام

تقدم العاصمة البريطانية، لندن، مجموعة واسعة من الخيارات للذواقة وعشاق النكهات المختلفة. وفي هذا السياق، تشير غادة إلى أنها تفضل مطعم Brunette Brisket الذي أنشأته صديقتها المقربة، الشيف ليا صدناوي. وهي تصف هذا المكان فتقول: "يتبع هذا المكان مفهوم من المزرعة إلى المائدة، وهنا يمكن تناول سندويتشات لحم صدر البقر العضوية التي تذكر إلى حد كبير بالمطبخ الفرنسي الكلاسيكي. إنها تجربة مميزة فعلاً، وفي هذا المطعم الواقع في قلب لندن ستشعر بالراحة... كأنك في منزلك!".

وتنصحنا غادة أيضاً بالذهاب إلى مطعم Wiltons الكائن في منطقة سانت جيمس: "هو مكان كلاسيكي لا يفقد سحره مع مرور الزمن. أما أطباقه وخياراته فتروي قصصاً عن تاريخ الطهو الراقي في لندن".  

أناقة وأكثر

"من أبرز النصائح التي أحرص على توجيهها إلى طلاب سنترال سانت مارتينز الذين ينتمون بمعظمهم إلى بيئات إبداعية، ضرورة الانتباه إلى تأثير البيئة والمجتمع على الأعمال بأوجهها المختلفة".

وإذ تتحدث عن التصنيع المسؤول، تذكر الأستاذة المحاضرة شركة Dai التي أسستها صديقتها جوانا داي (علامة تجارية تتخذ من لندن مقراً لها، حائزة على شهادة B Corp، وهي شهادة تُمنح للشركات التي تلبي معايير المسؤولية المجتمعية والبيئية، وتلتزم بمبدأ الحوكمة والشفافية). وتلفت إلى أن هذه الشركة تلتزم إلى حد كبير بمبدأ الاستدامة، بالممارسات الأخلاقية، بالمعايير البيئية مثل استخدام مواد صديقة للبيئة، بخفض انبعاث الغازات الدفيئة واستهلاك المياه، فضلاً عن المعارضة الحازمة لاستخدام المنتجات الحيوانية.

فقط في لندن

تشكل لندن موطناً لمئات التجارب الفريدة ودائمة التجدد. وهو ما تشدد عليه غادة فتقول: "من معرض تشيلسي للزهور الرائع، إلى سحر ويمبلدون، ازدحام أسبوع فريز والأحداث التي تُنقل عبر الأقمار الصناعية، فروعة شاشات مهرجان لندن السينمائي الذي يكشف، في كل موسم، جزءًا من خفايا المدينة العريقة وأسرارها". وتتابع في السياق نفسه: "لا بد من أن أتحدث أيضاً عن نيستا والجمعية الملكية للفنون اللتين تشكلان جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي اللندني الغني".

إبداعات أخرى

متحف لايتون هاوس (تصوير روب غريغ)

تحرص غادة دائماً على أن تصطحب ضيوفها إلى متحف لايتون هاوس في كينسنغتون: "خضع هذا المكان مؤخراً لعملية تجديد شاملة أعادت ذلك السحر الخاص إلى تصميمه الداخلي الرائع".

ولا تنسى أن تأتي على ذكر لادبروك هول، المركز الإبداعي الجديد الذي تم افتتاحه في نوتينغ هيل، المنطقة التي تحظى باهتمامها والتي شكلت موطناً لعائلة والدتها. وتحتضن هذه الوجهة ثريا ناتشو كاربونيل ذات التصميم غير العادي، وأعمالاً أخرى تحمل لمسات كريستوفر لو بران، الرئيس السابق للأكاديمية الملكية للفنون.

لادبروك هول (تصوير روب غريغ)

وهي تقول في هذا السياق: "بالنسبة إليّ لا يعتبر لادبروك هول مجرد مكان، بل هو مساحة تزداد الحاجة إليها على المستوى الاجتماعي، علماً أنها تتعاون مع مبدعين محليين وتدعم المبادرات الشابة في مجالات الفنون، التصميم، الموسيقى، فضلاً عن التعليم والإرشاد. هذا ما يجب أن تُعنى به المساحات الثقافية برأيي. ومن المهم أن تتحول إلى أمكنة للإبداع والابتكار الجماعي وللاستفادة مما تقدمه مدن مثل لندن".

مساحات خضراء

لا تجد غادة صعوبة في اختيار مكان للتنزه في لندن التي تعتبر المدينة الأكثر احتضاناً للمساحات الخضراء في أوروبا (3000 موقع). وعن خياراتها تقول: "أحب الحدائق الملكية النباتية في كيو. فهناك يمكنني زيارة معرض الفنان الفكتوري الشهير، ماريان نورث، الذي أقيم تخليداً لاهتمامه بعالم النباتات. ولا بد لي أيضاً من ذكر معرض شيرلي وود للفنون النباتية الذي يحتفي بالطبيعة والعلوم".

في المكتبة

تهوى غادة الحارثي عالم الكتب، وهو ما تعبر عنه بقولها: "تحتضن مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية حيث تابعت دراستي، مكتبة عريقة رائعة. يبدو المبنى مميزاً فعلاً، وهو يضم ردهة تقليدية، كلاسيكية، تستمد الضوء من مصابيح معلقة في السقف. صممها المهندس المعماري السير دينيس لويس لاسدون الذي وقّع أبنية أخرى أحبها في لندن، ومنها المسرح الوطني". كذلك تنصح ضيوف المدينة البريطانية بزيارة مكتبة الفنون الوطنية في متحف فيكتوريا وألبرت، والتي تضم أكبر مراجع الفنون الجميلة والزخرفية في المملكة المتحدة. وأخيراً وليس آخراً، تذكر مكتبة لندن الكائنة في سانت جيمس والتي تأسست في العام 1841. فهناك يجد عشاق القراءة ما يقرب من مليون كتاب ومؤلفات لكبار الكتاب والمفكرين. 

تصوير: روب غريغ