السعودية بعدسة مصور يزورها للمرة الأولى

السعودية بعدسة مصور يزورها للمرة الأولى

خلال زيارته الأولى للمملكة العربية السعودية، ينظر هذا المصور الفوتوغرافي في كل اتجاه ليشاهد أبعادها وجمال معالمها
19 نوفمبر 23
Tinko Czetwertynski First Impressions of Saudi
Share

نشأتُ في البرازيل ويُسعدني أنني أستكشف العالم من خلال عملي كمصور فوتوغرافي. وفي هذا السياق لا بد لي من الحديث عن الشرق الأوسط، عن زياراتي المتكررة للكويت وأبو ظبي، عن إقامتي لبعض الوقت في بيروت، بل عن الرحلة المميزة التي قمت بها مؤخراً إذ تمكنت من زيارة المملكة العربية السعودية للمرة الأولى. لقد أحببتها حقاً وكانت التجربة مذهلة ولا تشبه أي تجربة أخرى.

عملت في الكويت حيث كنت أقوم بالتقاط صور شخصية للعائلات، فيما تعاونت أثناء إقامتي في الإمارات العربية المتحدة مع مجلات وعلامات تجارية. أما تجربتي السعودية فكانت مختلفة جداً. في الواقع، أردت زيارتها منذ زمن بعيد، إلا أن محاولاتي الأولى في هذا الاتجاه لم تؤتِ ثمارها بسبب ازدحام في جدول المواعيد لدي. وما أن وطأت أرض المملكة حتى شعرت بروعتها وبأنها تعيش مرحلة التغيير الكبير، بل بأن الطاقة الإيجابية تنتشر في كل أنحائها.

بدا لي كل ما في السعودية طبيعياً وعميق الصلة بالتراث الغني والتقاليد العريقة. وخلال إقامتي فيها أتيحت لي فرصة استكشاف متحف جدة الذي يعرض معالم ترتبط بالتاريخين السعودي والإسلامي. ومكنتني هذه التجربة من رؤية صورة أكثر وضوحاً لكل منهما.

ضوء على التراث السعودي

فاجأني جمال المدينة الذي ظهر جلياً خلال الاحتفال باليوم الوطني السعودي. حينها خرجت العائلات السعودية إلى الشوارع للاحتفاء بهذه المناسبة السعيدة. ومنحني هذا فرصة التعرّف عن كثب على أحد وجوه الثقافة المحلية. وقد أسرني المشهد السائد في جدة القديمة، البلد، التي تتميز بروعة نقوشها وجدارياتها. وازداد إعجابي بها حين اصطحبني صديق لي يعمل مع وزارة الثقافة السعودية، في جولة داخل متحف بيت البلد. وعرفت أنه تم بناء هذا الصرح في القرن العشرين وأنه كان أحد المنازل الأكثر قدماً في المدينة  قبل أن يتم ترميمه وتحويله إلى متحف. كذلك قمت بجولة بواسطة سيارة في جدة والرياض حيث حاولت التركيز على معظم تفاصيلهما ومعالمهما.

مشهد آخر

تمكنت، خلال زيارتي هذه للمملكة العربية السعودية، من خوض نقاشات مع نساء سعوديات. بدونَ غاية في الأناقة، وقد أخبرنني أنهن أصبحن قوة فاعلة في مجالات كثيرة مثل الفن، الثقافة، الموضة، وغيرها. كانت تلك اللقاءات مفيدة جداً. ولا بد لي من أن أشير في هذا السياق إلى أنني لم أعتد مشاهدة نساء يرتدين النقاب في البرازيل. لذا، تشكلت لدي مفاهيم خاطئة في هذا الشأن. إلا أن إقامتي لبعض الوقت في السعودية حيث لاحظت ثقة المرأة بنفسها وتميزها، جعلتني أدرك أن المظهر لا يعني الهوية.  

عالم ساحر

أرى وألتقط، في معرض عملي كمصور فوتوغرافي، صوراً لوجوه كثيرة، ثم أختار بعضها من خلال عرضها على شاشة الكومبيوتر. لذا، أثار اهتمامي ما قيل لي عن الكحل، فقد عرفت أنه يبرز العيون. لذا، قررت، أثناء إقامتي في الرياض، استكشاف هذا الآيلاينر التقليدي، فذهبت إلى سوق الزل الواقع في الجزء القديم من المدينة. وهناك أذهلني منظر المنازل المصنوعة من الطين والتي تجاور مظاهر الحداثة في العاصمة السعودية. كان المشهد رائعاً: أبواب ملونة، مساجد قديمة، ممرات آسرة... وأخيراً قادني بحثي عن الكحل إلى متجر صغير يقع في إحدى زوايا السوق. لقد ساعدتني هذه التجربة على فهم الثقافة السعودية بشكل أفضل. 

عدسة وألوان

تحفل المملكة العربية السعودية بالمشاهد الغنية. لذا التقطت خلال زيارتي عدداً كبيراً من الصور. فأنا أهتم كمصور بالألوان والمناظر النابضة بالحياة. ولا بد لي من الإشارة إلى أنني عشت أيام طفولتي في الهند برفقة عائلتي. وقد تأثرت مخيلتي إلى حد كبير بألوانها وتجاربها المفعمة بالحيوية، كما بجمال معالمها مثل سفوح تلال دارامشالا وقصور المهراجا والمنتزهات الوطنية الرائعة. وانعكست هذه التجربة الفريدة على نظرتي الفنية. لذا، أسعى إلى إظهار شعوري بالدهشة من خلال صوري، الأمر الذي ينطبق على تلك التي التقطتها في أثناء زيارتي للسعودية.  

انطباعات

حين تزور السعودية تشعر بحضور ثقافتها المحلية وتقاليدها، على عكس بعض بلدان المنطقة حيث لا يلاحظ وجود كثير من السكان المحليين. ولم يقتصر إعجابي على هذا، بل أحببت الموسيقى واستمعت إلى العديد من أغنيات الفنان محمد عبده أيضاً. كما حازت اهتمامي كل القصص والحكايات التي تُروى عن هذا البلد، ومنها تلك التي ترتبط بأصل كسوة الكعبة (المشرفة)، إذ يُقال إن عائلة مصرية كانت تصنعها وترسل قافلة لنقلها إلى وجهتها حيث كان يتم الاحتفاء بها. تبدو هذه القصص وكأنها مشاهد من فيلم رائع!

أما أكثر ما لفت انتباهي، فهو التفاوت بين صورة البلاد الحقيقية وتلك التي نراها من الخارج. في الواقع، ساعدتني هذه الرحلة القصيرة على تصحيح المفاهيم الخاطئة، الواحد تلو الآخر، ودفعتني إلى إظهار تقديري للأصالة التي تتحلى بها السعودية. ولا أنسى لقائي بعض الأشخاص الودودين والتقاطي الصور لهم واستكشافي جمال هذا البلد. بل لا بد لي من الإشارة إلى تقديري لعاداتها وتقاليدها، بل أيضاً للمشهد الثقافي المزدهر الذي يحتضن العديد من المعارض والبيناليات والمهرجانات. وإزاء كل هذا لاحظت أن الناس في المملكة يبدون تفاؤلهم بشأن المستقبل، ولعلّ هذا هو ما يدفعني إلى التفكير بالعودة.

أخيراً يمكنني القول إن زيارتي هذه كانت تجربة لا مثيل لها، وأنا أتطلع إلى العودة إليها في يناير لمتابعة جولتي الاستكشافية والفوتوغرافية. أريد فعلاً الذهاب إلى العلا، إلى الشواطئ وإلى البحر الأحمر. وإلى أن يحين ذلك الوقت، يمكنني إمتاع حواسي برائحة السعودية وحضورها، إذ اشتريت بعض الكحل، القهوة السعودية، اللبان والعطر.