مذكرات رحّالة بريطانية: كيف رأت السعودية؟

مذكرات رحّالة بريطانية: كيف رأت السعودية؟

حكايات كثيرة ترويها المستكشفة شيلا راسل، عبر حسابها الخاص على إنستغرام ومن خلال التوثيق الجوي، عما شاهدته وعاشته في المملكة العربية السعودية
02 نوفمبر 23
Sheila Russell, Instagram: Saudi Travel Notes
Share

ليس من السهل ذكر كل الرحلات التي قامت بها شيلا راسل في أنحاء المملكة العربية السعودية. فمنذ وصولها إلى هذا البلد قادمة من ويلز (المملكة المتحدة) في العام 2017، قامت المستكشفة، والمصورة الفوتوغرافية وراوية القصص، وصاحبة حساب Saudi Travel Notes على إنستغرام، بعدد من الرحلات التي امتدت من تبوك في الشمال إلى جيزان في الجنوب. وخلال كل رحلة، اكتشفت المزيد من خفايا التاريخ السعودي ونشرت صوراً على حسابها أثارت اهتمام العدد الكبير من متابعيها.

التاريخ يتكلّم


قامت شيلا برحلات كثيرة منها تلك التي وصلت في نهايتها إلى تيماء الواقعة على مقربة من تبوك، في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية. وهناك تمكنت من مشاهدة خرطوش الفرعون المصري رمسيس الثالث الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد، علماً أنه تم اكتشافه للمرة الأولى في السعودية في العام 2010، ما دل على أن التجار كانوا يسلكون طريقاً يمتد من مصر إلى هذه المنطقة (التي عُرفت باسم مدين).
وفي هذا السياق تقول راسل: "يعتقد علماء آثار سعوديون أنه تم نحت التوقيع الملكي المزدوج (الخرطوش) بحضور الفرعون"، مضيفة: "يُروى أيضاً أن رمسيس الثالث أرسل بعثات عدة لاستخراج النحاس من هذه المنطقة قبل نحو 3000 عام"، ولافتة إلى أن طريقاً تجارياً مباشراً كان يربط وادي النيل وتيماء.
وتتابع راسل أن السفر إلى تيماء ومشاهدة الخرطوش شكلا تجربة خاصة لن تنساها يوماً، مشيرة إلى أنها كثيراً ما أبدت اهتمامها بالتاريخ والشعوب، ومعتبرة أن هذا الاهتمام هو ما يعزز الصلات بين البشر. وتلفت إلى أن استكشاف العجائب الأثرية يجعلنا نرى الحياة من زاوية جديدة.

اكتشاف جديد


تشبه راسل رحلاتها الاستكشافية بتلك التي يقوم بها المحققون. لذا، تتبع فضولها، وتتفحص الأوراق الأكاديمية والخرائط القديمة، كما تقوم بزيارة المنطقة نفسها مرات عدة، وتتحدث إلى الخبراء وتجمع في النهاية كل النقاط لترسم خريطة التاريخ.
وقد اصطحبت هذه الرحالة LIST في جولة استكشافية حافلة بالمشاهد، حيث انتقلت من متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس والنقوش الغامضة التي تم اكتشافها في جبل غنيم في تيماء، إلى أرشيف مستكشف بريطاني مقيم في جامعة أكسفورد.
ويشار إلى أنه تم العثور على مسلة (أو حجر) تيماء المحفوظة في متحف اللوفر في باريس في العام 1883، وهي لوح حجري يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد. ويروي هذا اللوح قصة استيلاء الملك البابلي نابونيد على قافلة تجارية كانت تمر عبر صباح (في اليمن حالياً) ومدين، معلناً سيطرته على المنطقة. ويشار إلى أن أرض مدين كانت تقع على طريق تجاري شكل صلة الوصل بين ما نسميها راهناً المدينة، خيبر والعلا ومنطقة بلاد ما بين النهرين.


ولا بد من الإشارة إلى أن نقشاً باللغة الآرامية يظهر على مسلة تيماء ويتطرق إلى عبادة الناس لـ"صلم هجم" منذ ما يقرب من 500 عام. ويذكر أن الهيئة الملكية لمحافظة العلا أعلنت العام الماضي فتح أبواب مجمع معابد صلم القديم أمام الجمهور.
ويبدو أن راسل كانت من الزوار الذين أمّوا المكان، وهو ما تشير إليه بقولها: "زرت تيماء مرات عدة وشعرت بالفضول وأردت أن أعرف المزيد من المعلومات عن صلم".


لكن يبدو أن المعلومات المتوفرة عن صلم قليلة، إلا أن شيلا تعرفت إلى شخص قام بجمع وثائق تشير إلى المكانة التي شغلها. كما وجدت أنه تمت الإشارة إليه في دليل للمستكشف البريطاني جون فيلبي الذي كان مستشاراً مقرباً من الملك عبد العزيز بن سعود، الأب المؤسس للمملكة العربية السعودية.


وتطرق فيلبي في مذكراته التي دونها تحت عنوان The Land Of Midian أو "أرض مدين" والتي صدرت في العام 1957 إلى زيارة قام بها لجبل غنيم، إلا أنه لم ينشر رسوماً توضيحية ترتبط برحلته. وهذا ما أثار دهشة راسل إذ تعلم تماماً أن فيلبي يُشتهر بدقته في التوثيق.
ولاحقاً عرفت الرحالة أن أرشيف الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد يضم كثيراً من رسوم فيلبي. وهكذا تمكنت من الاطلاع على خرائطه وملاحظاته الأصلية. وفي وقت سابق من هذا العام، توجهت إلى جبل غنيم، وهو يتكون من سلسلة مرتفعات تقع على بعد 10 كيلومترات جنوب تيماء. وهناك، على أرض مسطحة، رأت الصورة التي تبحث عنها: صخرة تحتضن نقشاً لإله على شكل ثور ذي قرون ونجمة على جبينه.

على مواقع التواصل


نشأت راسل في ويلز، ما يعني أنها عاشت وسط القلاع القديمة، وهي تروي في هذا السياق قصة أخرى عن تجربة عاشتها في السعودية وذكرتها بموطنها. وتحكي عن قلعة المعظم التي تم بناؤها على الطراز العثماني في منطقة تبوك. حينها تعاونت مع فريق تصوير جوي وتمكنت من التحليق فوق القلعة في صباح يوم شتوي لتسجيل مقاطع فيديو تظهر هيبة البناء وروعة أقواسه. أما أكثر ما أثار اهتمامها فهو ذلك المسطح المائي الذي شكل، حسب الاعتقادات، محطة على طريق الحجاج الذين كانوا يعبرون المنطقة قادمين من سوريا، وتحول إلى واحة خضراء وسط الصحراء.
وبعدما قامت بنشره على حسابها الخاص على إنستغرام، حقق فيديو شيلا أكثر من ربع مليون مشاهدة. ويبدو أنها باتت تتمتع بحضور لافت على مواقع التواصل، خصوصاً بعدما تمكنت مؤخراً من المشاركة في قمة العلا العالمية للآثار، علماً أنها تبدي حماساً كبيراً تجاه اكتشاف المزيد من خفايا التراث السعودي.

صداقات جديدة

ترى راسل أن أكثر ما يلفت الأنظار في أثناء السفر عبر المناطق السعودية، هو التنوع الكبير الذي تتسم به مناظر هذا البلد وخياراته.
وتقول في هذا الصدد: "يمكنك الانتقال من مناطق الكثبان الرملية إلى الجبال حيث تنمو أزهار الخزامى والورد الجوري، قبل نزولك إلى شواطئ البحر الأحمر".
وحين تتحدث عن أفضل التجارب التي اختبرتها أثناء ترحالها في المناطق السعودية، تذكر أشخاصاً تعرفت إليهم مشيرة إلى أن صداقة باتت تجمعها وبعض هؤلاء. فقد اتبعت أثناء تنقلها بين المناطق شعاراً مفاده: "خصص وقتاً للابتسام واستمع إلى قصص الناس"، لافتة إلى أن هذا قد يقود إلى مغامرة جديدة.

@sauditravelnotes