العرب في بلاد المهجر

العرب في بلاد المهجر

حكايات ونصائح سياحية من بلاد المهجر العربي
12 أكتوبر 23
Share

يواصل العرب في بلاد المهجر، وهم من أكثر الشعوب انتشاراً في العالم، بناء حياة ناجحة في الخارج، مع حفاظهم على صلات قوية تجمعهم وأوطانهم الأم. فقد تناقلت الجاليات العربية، عبر الأجيال، ارتباطها العميق بمسقط رأسها، في وجهات مثل مدينة Barranquilla الكولومبية وضاحية Lakemba في سيدني. وفيما ما زالت وجهات أخرى، مثل باريس، تشهد حضوراً لافتاً لمظاهر الثقافة العربية، تشكل بعض المساحات، مثل منطقة Little Egypt التجارية في حي Astoria النيويوركي وشارع Edgware في العاصمة البريطانية لندن قطعاً من مواطن العرب في الخارج.

Barranquilla، كولومبيا


ربما لا تعلم الكثير عن مدينة Barranquilla، لكن لا شك في أنك تعرف ابنتها النجمة الشهيرة شاكيرا. بالطبع، ثمة مسافة كبيرة تفصل الشرق الأوسط عن أميركا الجنوبية، لكن يبدو أن للجالية العربية (كما الأوروبية) حضوراً مهماً هناك. فإذا عدنا إلى القرن الـ14، لا بد لنا من الحديث عن انتقال الموريين القصري، من الأندلس إلى المستعمرات الإسبانية الكائنة في جنوب القارة الأميركية. أما الهجرة الكبرى فحدثت بين أواخر القرن التاسع عشر وسنوات ثلاثينات القرن العشرين، وحينها توجه نحو 1.2 مليون مهاجر من بلاد الشام إلى أميركا الجنوبية من أجل تحسين واقعهم الاقتصادي. وفيما حط بعضهم الرحال في البرازيل، تشيلي، والأرجنتين، وجد آخرون ملاذاً لهم في كولومبيا.

ورغم أنها لا تتسم بجمال مدينة قرطاجنة (أو كرتاخينا) التاريخية، إلا أن لـ Barranquilla سحرها الخاص. فهي تتميز بشواطئها الذهبية حيث تتكسر أمواج البحر الكاريبي لتوفر أفضل فرص الترفيه لعشاق ركوب الأمواج في البلاد. في الواقع، ليس من الصعب العيش في هذه المدينة التي تتيح المجال أيضاً للاستمتاع في أماكن رقص السالسا أو في إطار أكبر الكرنفالات التي تنظم خارج ريو دي جانيرو.
وبالحديث عن المدينة الرائعة، يقول عازف البيانو والأستاذ الجامعي من أصل فلسطيني Jaime Abuabara Eljadue: "إنها مدينة ذات طابع عالمي. هذا ما جذبني إليها. لقد عشت وعملت في بوغوتا وقرطاجنة، لكن Barranquilla تناديني دائماً. ورغم إغلاق المركز الثقافي العربي بعد انتشار جائحة كوفيد-19، إلا أن المدينة تقدم لنا كثيراً من الأماكن حيث يمكننا تناول القهوة، وفرصاً للتواصل مع آخرين يحرصون على إحياء التراث الفلسطيني".
وبعد ذكره بعض المطاعم التي يديرها عرب، مثل M Cocina Árabe و Pollos Arana 43، يشير Jaime إلى أنه كولومبي بالدرجة الأولى، لافتاً إلى أنه يفخر بأجداده الفلسطينيين الذين شقوا طريقهم إلى البلد الجنوب أميركي في زمن الحرب العالمية الأولى. وهو يعلق على هذا بقوله: "أرى أن العرب الذين أتوا إلى هنا ساهموا في دفع عجلة المدينة إلى الأمام. فهي توفر الفرص للجميع".

شارع Edgware، لندن


عندما وصل أسود الأطلس (اللقب الذي يطلق على أعضاء المنتخب الوطني المغربي) لخوض مباراة نصف نهائي كأس العالم في العام 2022، كان على كثر التوجه إلى مكان واحد من أجل مشاهدة المباراة. نتحدث هنا عن شارع Edgware الذي شكل، منذ سبعينيات القرن المنصرم، مساحة لانصهار ثقافات تنتمي إلى بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ورغم أن منتخب المغرب لم يبلغ المباراة النهائية، إلا أنه تمكن من جعل مشجعيه ينضوون تحت راية واحدة.
ولا بد من أن نشير إلى أن شارع Edgware يقع وسط محلات تجارية ومطاعم ذات أسماء عربية وكردية. فهناك، تستقبلك رائحة الشيشة والشاورما الطازجة والحلويات. ورغم انتقال بعض رواد الأعمال، في السنوات الأخيرة، إلى منطقة Park Royal الواقعة شمال غرب لندن، إلا أن الشارع ما زال وجهة مميزة لقضاء بضع ساعات في النهار أو المساء.

وعن حياته في الشارع يتحدث الشاب شميم إبراهيم الذي يعمل ويقيم في لندن والبيت بوكسر (مقلّد أصوات الآلات والنغمات الموسيقية) الذي قدم عرضاً على مسرح Hollywood Bowl ويقول: "أنا عراقي، وقد انتقلت من باريس إلى لندن في العام 2005. كنت حينها في السادسة من عمري وأتذكر أن شارع Edgware كان من الأماكن التي جعلتني أشعر بدفء الوطن رغم أنني لم أكن أعرف وطني حينها".
ويضيف: "إذا أردت لقاء رجال عراقيين من الجيل القديم يجلسون ويتجادلون بشأن السياسة وهم يشربون الشاي، ليس عليك سوى التوجه إلى مطعم Sarchnar. هناك يتم تقديم الكباب مع خبز التنور، لحم الضأن، كما يمكنك طلب الباشا والدولمة. لكن احرص على الذهاب إلى هناك بمعدة فارغة. ولا شك في أنك ستحصل على كوب من الشاي مع بضع قطع من الحلوى لن تستطيع رفضها".


كذلك يذكر شميم "الركن الحجازي" أو Hijazi Corner الذي يعتبر خياراً مميزاً بالنسبة إلى أولئك الذين يبحثون عن المذاقات اليمنية والأطباق السعودية. ويتحدث أيضاً عن Patogh الذي يناسب عشاق المطبخ الإيراني. إلا أنه يرى أن مطعم كلبه Colbeh يقدم أفضل وصفات كباب الكوبيده (على الطريقة الإيرانية).
ولا ينسى ذكر الأطباق الخليجية، ويقول: "في ما يتعلق بالكويتيين (وكل من يفضل أطباق الخليج العربي)، أرى أن "فريج صويلح" Freej Swaileh يقدم أفضل وصفات المجبوس. أما محبو الشاورما، فيمكنهم التوجه إلى Cafe Helen الشهير الذي يقدم طبق "علي بابا" وحيث يمكن تناول الشاورما على الطريقة الكردية العراقية". ويتابع: "أما إذا كنت تبحث عن بوظة الفستق الشامية، فاحرص على الذهاب إلى Diwan Damas Deli. وإذا أردت التعرف على طعم حلوى الدهينة العراقية، أنصحك بتجربتها لدى "أبو عفيف". كذلك أدعوك إلى التجول في Church Street Market حيث يمكنك رؤية كل شيء، من الإلكترونيات، إلى قمصان كرة القدم المغربية، الأغطية التي تتميز بنقشة جلد النمر... إذاً يمكنني القول إن المكان أشبه بوطن ثانٍ للعرب".

Lakemba، سيدني

لا بد لكل من يشاهد حلقات الدبكة اللبنانية أن يتفاعل مع الإيقاع وحركة الأقدام، لكن يبدو أن قلة من الناس استمعت إلى النسخة الإلكترونية الحديثة منها والتي أعدها الدي جي Plead. فقد ولد الأخير، واسمه الحقيقي جارد بيلر، من أب سويسري وأم لبنانية، وهو ينتمي إلى جيل من الأستراليين الذين أضافوا لمسة جديدة إلى موروثهم العربي. في الواقع، يشير ما يقرب من 230.000 ألف شخص يقيمون في البلاد إلى أنهم لبنانيون أستراليون، ومنهم الكاتب مايكل محمد أحمد الذي نشأ في ضاحية Lakemba في سيدني. وقد اختصر حياته هناك في ثلاثيته الروائية: The Tribe ،The Lebs وThe Other Half of You.
وبالحديث إليه عن هذه التجربة يقول: "حاولت من خلال رواياتي الإشارة إلى ضعف حضور الجالية العربية المسلمة في غرب سيدني حتى الآن، وإتاحة فهم هذا الحضور بطريقة إنسانية. هو فعل تقرير مصير وتعبير عن حقنا في أن نروي قصصنا الخاصة، على طريقتنا".
ويشير مايكل إلى أن أسرته استقرت في Lakemba، وهي ضاحية يقيم فيها عدد كبير من العرب، علماً أن بعضهم يطلق عليها اسم Leb-kemba. ويذكر أن أكثر ما يحبه في هذه المنطقة من سيدني هو أن سكانها يتحدثون ما يقرب من 100 لغة. ويلفت إلى أن المقطع Leb قد يشير بالنسبة إلى كثير من الأشخاص إلى اللبنانيين، موضحاً أنه نشأ في هذه الضاحية وأنه التقى مئات الشباب والشابات الذي يطلقون على أنفسم لقب Lebs، علماً أنهم من مواليد أستراليا.


ويتابع الكاتب: "لم يعد معنى هذا الجزء من الكلمة يقتصر على التعبير عن التراث اللبناني، فقد تحول إلى شعار يرتبط بهوية جديدة في أستراليا، وهو ما جاء رداً على التوجه الإعلامي الذي يشيع غالباً بأن كل الأستراليين العرب والمسلمين الذين يقيمون في غرب سيدني هم من اللبنانيين فقط".
ولدى سؤاله عن مطعمه المفضل، يحرص مايكل على تسمية Lakemba McDonald، وهو أول مطاعم Macca’s التي تقدم خيارات "حلال" للرواد المحليين. وفي هذا السياق يقول: "أنصح بالذهاب إلى هذا المكان الأشخاص الذين اعتادوا أن يتناولوا الفلافل المنزلية لا الهمبرغر والبطاطا المقلية. أما الآخرون فأوصيهم بأن يقصدوا مطعم El-Manara اللبناني. فهو يقدم الأطباق النباتية، واللحوم الحلال، كما أن فريق عمله ودود للغاية، لذا ستشعر بأنك في منزلك. هناك يقدمون أفضل الأطباق بعد تلك التي تحضرها جدتي".

Bay Ridge، بروكلين و Astoria، كوينز

في أبريل المنصرم، خلال شهر رمضان، سمع للمرة الأولى في شوارع حي Astoria في كوينز، نيويورك صوت لم يعتده السكان. كان ذلك الأذان الذي انطلق من مساجد صغيرة عدة في المنطقة. ولا بد لنا من الإشارة إلى أن أول تلك المساجد أنشئ في العام 1980. لا عجب في هذا، فمدينة نيويورك تحتضن مزيجاً من الثقافات وتعتبر موطناً للتنوع، وهو ما تدل عليه تلك المساحات حيث يقيم سكان أتوا من مختلف أنحاء العالم، ومنها Chinatown ،Little Italy و Little Caribbean. وفي أوائل القرن العشرين أصبح حي Little Syria (في محيط شارع واشنطن) مقراً لأول تجمع عربي يتحدث باللغة العربية في الولايات المتحدة الأميركية، علماً أن سنوات الأربعينات من القرن نفسه شهدت إزالة هذه المنطقة السكنية إذ تم جرفها لبناء نفق Brooklyn-Battery. وهكذا بدأت موجات المهاجرين التي شهدتها سنوات الستينيات والسبعينيات تتدفق إلى جهات أخرى من المدينة الأميركية.
وبالحديث عن التنوع الثقافي، لا بد من الإشارة إلى المطاعم التي تعكسه من خلال أطباقها، ومنها Mamoun’s Falafel الذي يمتلكه سوريون والذي تم افتتاحه في حي East Village ليصبح أول محل يبيع الفلافل في المدينة.

محل مأمون فلافل في حي إيست فيلج - نيويورك

أما حي Bay Ridge، فهو يقع جنوب غرب بروكلين، وقد بات يعرف باسم Little Palestine وLittle Yemen للدلالة على أصول سكانه، وهناك تنتشر لافتات باللغة العربية كتبت عليها أسماء التوابل، مطاعم الشاورما، المتاجر الحلال وغيرها من أماكن تقديم الطعام مثل "مخبز ومطعم الأقصى" الذي يديره فلسطينيون. أما في حي Astoria فيمكن الإشارة إلى شارع Steinway، وهو يعرف أيضاً باسم Little Egypt ويضم مطاعم مثل Kabab Cafe الذي يديره علي السيد منذ العام 1989 والذي يفضله محبو الطعام المتجولون مثل الطاهي الراحل أنطوني بوردان.

باريس

من منا لا يعرف ذلك الجزء المصنوع من الزجاج والمعدن من متحف الـ Louvre الفرنسي؟ نعرفه جميعاً بطريقة أو بأخرى، ويرى بعضنا أنه يشبه الحجاب فيما يشير آخرون إلى أنه يذكرنا بالكثبان الرملية. أما اللافت فهو أنه يضم موجودات ترتبط بالتاريخ الإسلامي، مثل الخناجر الدمشقية، التحفة حيث تظهر مبارزة تعود إلى العصر الفارسي، ومسلات من مكة. في الواقع، شكلت العاصمة الفرنسية على مر العصور همزة وصل فكرية وتجارية بين الشرق والغرب، ولمَ لا؟ فقد كانت فرنسا أول دولة أوروبية تقيم صلات مع الإمبراطورية العثمانية، كما أن عاصمتها شكلت نقطة جذب للرحالة، المفكرين، والمهاجرين عبر العصور. لذا، لم تكن رؤية العمامة في باريس في القرن الـ18 أمراً غير مألوف. وهو ما يمكن ملاحظته راهناً أيضاً في شوارع مثل Barbès-Rochechouart وChâteau Rouge وفي حي شمال أفريقيا حيث تنتشر متاجر تبيع أقمشة غانية، إلى جانب المساجد والمقاهي التونسية.
قد يرغب كل من يبحث عن الوجه العربي لعاصمة فرنسا في الذهاب إلى ساحة تحمل اسم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي وصفها يوماً بأنها "مكان ولادة شعره الحقيقي". كذلك يمكن الحديث هنا عن منزل مؤلف كتاب "النبي"، الأديب اللبناني جبران خليل جبران الذي تابع دراسته في باريس في أوائل القرن العشرين. أما على ساحة كونكورد فلا بد من مشاهدة مسلة الأقصر التي أرسلها حاكم مصر محمد علي إلى فرنسا في العام 1829.

ولا يمكننا زيارة باريس من دون التوجه إلى معهد العالم العربي الواقع على ضفة نهر السين والذي يعتبر منارة ثقافية بالنسبة إلى الناطقين باللغة العربية.

"إنه أحد الأماكن المفضلة لدي"، تقول الصحافية والمترجمة المقيمة في باريس، أوليفيا سنيجي، وتضيف: "لا أعني بهذا هندسة جان نوفيل المعمارية الرائعة فقط، بل أيضاً تلك الإطلالة الآسرة على المدينة التي يوفرها تراس السطح. وهنا ستجد مطعماً بات يديره حالياً الممثل المغربي جمال دبوز. أذهب إلى المعهد بانتظام في أيام السبت للاستماع إلى مقابلة تُجرى مع كتاب عرب، علماً أن المكان يستضيف أيضاً معارض فنية، عروض أفلام دورية، حفلات موسيقية، كلاسيكية وإلكترونية".
وفيما يشكل المغاربة والجزائريون الجزء الأكبر من العرب المقيمين في باريس، يأتي اللبنانيون على رأس القائمة حين نتحدث عن المطاعم. وفي هذا السياق، تعدد أوليفيا بعض المطاعم التي تقدم أطباقاً مفضلة لديها، مثل Mardi و Babel، فيما تنصح بالذهاب إلى bältis لتناول الآيس كريم اللبناني.
وتشير الصحافية إلى أنها تتابع الشيف اللبناني كريم حيدر منذ نحو 20 عاماً، متحدثة عن مطعمه الصغير Les mots et le ciel، حيث يتم تقديم دروس في الطهو وبيع منتجات شرق أوسطية عالية الجودة مثل الزعتر. وعن أحدث مشاريع الشيف تقول: "بدأ كريم مؤخراً خوض مغامرة طهو لبنانية جديدة من خلال SAMA الذي أنشأه بالشراكة مع لولوة الرشيد ومراون رزق. لا بد من أن يفاجئنا بحدث جديد بين حين وآخر هنا".