رحلات برية مع زياد العرفج

رحلات برية مع زياد العرفج

أدر محرك سيارتك لترافق هذا الرحالة السعودي إلى المناطق الأكثر روعة وشهرة في المملكة
10 أكتوبر 23
Share

هل تفضل السفر براً؟ إذاً ليس عليك سوى الجلوس خلف مقود سيارتك والانطلاق في رحلة عبر المناطق السعودية التي تتميز بالتنوع والجمال، من الجبال الشامخة إلى الأودية الخصبة، ومن الشواطئ البكر إلى صحراء الربع الخالي، ومن آثار الحضارة النبطية في العلا، إلى صحراء الشمال، فشعاب البحر الأحمر المرجانية.

ومن أجل التعرف على بعض معالم المملكة شديدة التنوع، قررنا القيام بجولة برفقة زياد العرفج، أحد الرحالة الذين يسافرون عبر الثقافات، يتفاعلون مع السكان المحليين، ويبحثون عن وجهات مخفية حيث يمكنهم اكتشاف كنوز التراث والمناظر الآسرة. وعلى عكس المسافرين الذين يحجزون أماكن إقامة في المنتجعات الفاخرة، يختار زياد الطرقات التي يسلكها عدد قليل جداً من محبّي المغامرات، وينصب خيمته في كل مكان يراه مناسباً لذلك. وبالطبع يضع في سيارته كل ما قد يحتاج إليه من طعام، ماء، ألواح شمسية، أدوات استحمام، وغير هذا من المستلزمات التي تساعده على مواصلة رحلته من دون الحاجة إلى التواصل مع الحضارة. فهو يسعى خلال مغامراته إلى كشف كثير من الأسرار الخفية.

وتعبيراً عن حبه للسفر يقول العرفج: "يجري السفر في دمائنا. كان جدي تاجراً وكان في الـ12 من عمره حين غادر السعودية للمرة الأولى. وقد تنقل بين منطقة الخليج، شبه الجزيرة العربية، أفريقيا وشبه القارة الهندية. وكثيراً ما كان يروي قصصاً لا أنساها عن رحلاته وأسفاره، مشيراً إلى أن الناس كانوا يسافرون بحراً على متن المراكب، أو براً على ظهور الخيول والجمال. وكان الحديث عن أماكن مختلفة أمراً مبهراً بالنسبة إلى صبي صغير، وكان جدي راوياً بارعاً استطاع بناء مخيلتي وجعلني أحب السفر".
وهنا سنرافق زياد في جولة على مناطق عدة داخل المملكة، وسنشاركه التجارب التي عاشها في أثناء قيامه بثلاث رحلات برية عبر المشاهد الرائعة التي تتميز بها مختلف أنحاء البلاد. سننطلق أولاً من الرياض إلى العلا حيث سنتوجه مباشرة إلى قلب ثقافة البلد، تراثه وتاريخه.

المسار 1
من الرياض إلى العلا
مدة الرحلة: 11 ساعة
من الرياض إلى الغاط
المدة: ساعتان


تقع قرية الغاط القديمة في منطقة الرياض وتبعد 230 كيلومتراً شمال غرب العاصمة، وتعتبر من أكبر القرى التقليدية مساحة ومن أكثرها جذباً للاهتمام.
يجتاز الرحالة، في بداية رحلته، عدداً من التلال، ما يتيح له مشاهدة كثير من المعالم الرائعة في محيط العاصمة السعودية. وفي وصف المشهد يقول إنه يمكننا أن نرى من مكان مرتفع أبنية ومناظر طبيعية مدهشة، لافتاً إلى أن نظرة عميقة إلى المكان تتيح فهم تاريخه وأنماط الحياة المختلفة التي كانت سائدة فيه.


وإذا انطلقنا من الرياض نحو القدية والجبال، نرى ما لا يمكن تصديقه. ففي الشتاء لحظة شروق الشمس أو غروبها، يمكن مشاهدة مناظر طبيعية لا مثيل لها، بحسب زياد الذي يضيف: "الغاط هي موطن تمور بتيل الشهيرة". وهنا يتعين عليه أن يسلك طريقاً مستقيماً، وأن يعبر بعض التلال، ليكتشف كثيراً من الجواهر الخفية في محيط العاصمة. وحين يتحدث عن روعة جغرافيا هذا الطريق، يقول إنه يمكنك مشاهدة ثلاثة معالم فريدة: منظر الجبال المذهل، من القمة إلى القاعدة، الوادي الذي يشق طريقه عبر التلال والمزارع التي يقع بعضها على مشارف الكثبان الرملية. وهو يشير إلى أن الوقوف في إحدى تلك المزارع يجعلك تشعر بأن موجة رملية كبيرة تتجه نحوك. ومما يمكن أن يلفت نظر المسافر، على حد قول زياد، "بلدة الغاط القديمة حيث يمكن رؤية المنازل القديمة المبنية من الطين، والتي هجرت لأن معظم السكان انتقلوا للإقامة في منازل خرسانية حديثة أو ذهبوا للعمل في الرياض".
وينصح الرحالة محبي السفر أثناء موسم المطر بمشاهدة منظر الشجيرات الخضراء والشلالات الآسر. ولا ينسى أن يدعو الجميع إلى القيام بجولات في الأسواق النابضة بالحياة ومراكز التسوق في الرياض إلى جانب الاستمتاع بجمال الغاط الطبيعي. هي بالفعل رحلة تثير فضول كل عاشق للسفر!

من الغاط إلى حائل
المدة: 4 ساعات

أثناء عبورك هذا الطريق، ستبدي إعجابك بمشهد مزارع النخيل والتضاريس الصحراوية اللافتة. نتحدث هنا عن الرحلة من الغاط إلى حائل، المدينة التي تقع وسط شمال شبه الجزيرة العربية والتي تشكل موطناً للمزارع والجبال.

يمكن القول إن تاريخ حائل يحتوي على كثير من الكنوز، علماً أنها موطن الشاعر الشهير حاتم الطائي الذي يُعرف بأنه من أكثر الناس كرماً. فقد كان يوقد النار في الجبل للفت أنظار المسافرين ولاستضافتهم في مكان إقامته. رحل الرجل لكن حكاية كرمه ما زالت حية في قلوب أبناء حائل. فلا تنسَ هذا إذا كنت تخطط لزيارة المدينة، وتذكر أن طبيعة المكان تتسم بالكرم أيضاً، إذ تقدم كثيراً من المناظر الخلابة، ومنها جبل السمراء، المعلم الرائع الذي يتيح رؤية أضواء المدينة الساحرة.
وعن جمال المنطقة يقول زياد: "في الشتاء، يمكننا رؤية أكثر الشلالات روعة. فالمكان يتسم بجمال طبيعي لا يمكن وصفه بالكلمات. ثمة طاقة رائعة تنبعث منه".
وعلى بعد 90 كلم تقع جبة، المدينة التي تستحق الزيارة والتي تمتد على مقربة من الطريق المؤدي إلى العلا. وهي تتميز بصخور نقشت عليها أشكال لنمور، فهود، حمير وحش، لحيوان الوعل وأيضاً للجاموس، ما يذكر بالحياة البرية التي تميزت بها المنطقة. ولا بد من الإشارة إلى أن ما يسمى اليوم واحة كان بحيرة في السابق. في الواقع، ستناسبك هذه الرحلة إذا كنت من عشاق التاريخ.

من حائل إلى العلا
المدة: 5 ساعات


من الكثبان الصحراوية إلى الجبال البركانية، طريقك حافل بالعجائب الطبيعية والجيولوجية.
في العلا ستشاهد كثيراً من المعالم التي ستشغل لاحقاً جزءًا مهماً من ذاكرتك. نبدأ من منحوتات حائل التي سترافقك لبعض الوقت. وتجدر الإشارة إلى أن التجربة التي عاشها زياد هنا تختلف إلى حد كبير عما يتم عرضه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في الواقع، تحتضن العلا المتحف المفتوح الأكبر مساحة في العالم، كما أنها تضم كثيراً من المساكن التاريخية، وتشكيلات من الحجر الرملي، ومدافن قديمة، إلى جانب عدد من المعالم الأثرية التي ترتبط بحقبات تاريخية مختلفة.


وينصح زياد عشاق الرحلات البرية بالتعرف إلى العلا من خلال عيون السكان المحليين، ويقول: "عليك زيارة القرى لتشهد على روعتها. حينها سيفتح الباب لترى كل ما لم تره عيناك من قبل". إلا أنه ينبه إلى ضرورة التزود بكمية كافية من الوقود الذي لا يتوفر على بعض الطرق.

المسار 2
من دبي إلى الأحساء
المدة: 7 ساعات

تقع الأحساء الساحرة وسط الجبال. لذا، لا عجب في أن تسمع صوت الماء المتدفق تحت أرضها. وهنا، توفر مزارع النخيل والمناظر البانورامية ملاذاً مثالياً لكل من يرغب في الابتعاد عن صخب الحياة في المدينة.
وفي أثناء رحلة عمل قام بها إلى دبي، قرر زياد زيارة مسقط رأسه، الأحساء.

تجمع قلعة ابراهيم أسلوب العمارة التقليدية في الأحساء وطرق البناء التركية التي اتبعت خلال عصر السلطنة العثمانية  


وهو يصف هذا الجزء من السعودية بالقول إنه يضم الواحة الأكبر في العالم، وإنه موطن لجبال الحجر الرملي، لافتاً إلى أن عائلته أقامت في المنطقة منذ 400 عام على الأقل وأنها انتقلت من وسط السعودية إلى الأحساء. ويضيف: "ثمة كنوز كثيرة مخفية في الأحساء"، لافتاً إلى أن تاريخ هذه التحف المغطاة بالرمال يعود إلى أكثر من 8000 عام، ومنها المدافن التي تعود إلى أكثر من 3000 عام، وبحيرة الأصفر، الموقع الساحر الذي يناسب الراغبين في الابتعاد عن صخب المدينة. ويشير إلى أن شتاء الأحساء يتميز بمشهد آسر يتشكل من أسراب الطيور المهاجرة وأنواع النباتات المختلفة. "المنظر ساحر"، يقول ويتابع: "هنا تجد أنواعاً كثيرة من النباتات والحيوانات"، داعياً الجميع إلى زيارة المنطقة التي تتسم بعراقة الفن والتاريخ.

المسار 3
من الرياض إلى أبها
المدة: تختلف حسب المسار


"رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة". ينطبق هذا المثل على رحلتنا هذه. فهي انتقال بطيء وممتع من المدينة ذات اللون الصحراوي إلى مدينة الضباب والشتاء البارد.
يحب زياد تذكّر هذه الرحلة التي قام بها يوماً من الرياض إلى أبها، علماً أنه يمكن في هذه الحالة سلوك أحد مسارين: الأول عبر قرى الخرج ووادي الدواسر والثاني على طريق الرياض-مكة السريع. ويمكن في الحالتين الاستمتاع بمناظر النباتات الخضراء والمزارع الدائرية التي أنشئت على الطراز السعودي.
وتعليقاً يقول الرحالة: "حين تبدأ رحلتك من الرياض إلى أبها، ستلاحظ تغير التضاريس، ستمر عبر جبال طويق ثم ستجتاز الصحراء. وهنا لا تبدو الطرق مستقيمة، كما لا يبدو لون الرمال واحداً"، ويشير إلى أنه، مع التقدم جنوباً، يمكن ملاحظة ظهور الجبال وتبدل الألوان، فضلاً عن رؤية منازل قرى عسير الصخرية الصغيرة ذات التصميم الفريد.
ولا بد هنا من الإشارة إلى أعلى القمم، السودة، حيث تختلف درجات الحرارة عن تلك السائدة في الرياض، وإلى جبل القارة الذي يحتضن عدداً من الكهوف، ويضم منطقة جذب سياحية تبلغ فيها درجة الحرارة 23 مئوية على مدار العام. ويذكر أن الكهف يتعرض للهواء البارد صيفاً فيما يصبح أكثر دفئاً في الشتاء.

ويذكّر زياد بمميزات أبها، من المناخ المعتدل، إلى الأيام الممطرة، فالجبال الخضراء والمشاهد الملونة الرائعة. ويضيف أنها تشتهر بتلالها التي تضم كثيراً من المواقع الأثرية والقرى التراثية والمتاحف. لذا يدعو كل زائر إلى الاندماج مع ثقافتها وإلى الجلوس إلى مائدة السكان المحليين الودودين للوصول إلى قلب هذه الوجهة وروحها.
ويقول: "رائع أن تشاهد الرجال يرقصون في معرض مهرجان "رجال الطيب" وأن تتعرف على تقاليدهم. لقد ذهبنا إلى القرى والتقيناهم في منازلهم، وكان الأمر مذهلاً فعلاً". ويتحدث عما يمكن أن يراه من مشاهد أثناء رحلته، ويذكر أشجار النخيل ذات الجذوع القصيرة والتي تطلق عليها الحكايات تسمية أشجار النخيل القزمة. ويعلق زياد على هذا بالقول: "لا أحد يعرف كيف نمت هذه الأشجار في البحر وعلى مقربة منه. لكن ثمة نظرية تشير إلى أن ركاب القوافل الذين كانوا ينقلون البضائع من ميناء العقير وإليه، كانوا يأكلون التمر ويلقون بالبذور في المساحة حيث نمت تلك الأشجار".
وأخيراً يجب التذكير بأن مغامرات زياد ورحلاته لا تناسب ضعاف القلوب لأنه يختار طرقاً لا يسلكها كثيرون، إذ يرى أنها تفتح أبواباً لا يطرقها الزائرون والسياح. ومن الجاذبية الصوفية التي تتسم بها العلا إلى مناظر صحراء الربع الخالي، ومن منحوتات حائل الصخرية إلى حداثة الرياض، يروي هذا الرحالة حكايات كثيرة عن التراث والتاريخ. فالسعودية تقدم ما يحظى بإعجاب الجميع وما يأسر قلوب كل المسافرين.